Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/08/2008 G Issue 13102
الثلاثاء 11 شعبان 1429   العدد  13102
لذعات التقاعد
د. موسى بن عيسى العويس

* التقاعد مرحلة قد يجد فيها البعض من الناس متعة لا تعد لها متعة، ومنهم من يعيشها أو يتصورها خلاف ذلك،إذن هو لذة،أو لذعة، حسب مقتضى الحال. وسواء تقاعد الإنسان عن الوظيفة برغبة منه..

..... أو قاعدته الأيام - على مرارة - عن بعض ما كان يمارسه، وتعمر به حياته النفسية، والاجتماعية، والصحية فإنه يبقى الوضع الاجتماعي الذي كان يعيشه هو هاجسه، أينما حلّ، وأينما ارتحل، وفي أي مجال يخوضه، أو ينشده ويسعى إليه.

* مع الاختلاف النسبي في المناسبة، واختلاف ظروف استدعاء الشاهد، كانت هناك التفاتة طريفة وهادفة من أحد المتقاعدين إلى بيت شارد، ينم التمثل به عن فطنة وحضور بديهة عند الشاعر والمستشهد به كذلك،وهو يصور ما كان يملكه ذلك الموظف من امكانات، أو صلاحيات، وما أمسى يفقده، بين يوم وليلة، يقول:

من اول اغرف من بحور الهوى غرف

واليوم ادور من يقوم يغرف لي

* وأيّ هوىً قد يصاحب تلك المرحلة؟. المشكلة إذا لم تستطع أن تغرف، ولم تجد من يغرف لك. حقاً إنه معنى عميق، في صورة رائعة مجسّدة ومؤثرة في الوقت نفسه، حيث تنبىء عن مستقبل عاثر، وواقع مخيف يلازم مشاعر بعض الفئات، حتى أنها تحتاج نفسيته إلى وقت ليس بالقصير للتأهيل، لكي تتكيّف مع الحياة الجديدة، وما يموج بها من تقلبات، أوتنكرات، أو ماقد يعتري الولاءات السابقة من تجاذبات.

* في السنوات الأخيرة بدأت التفاتة جادة، نحو الاهتمام، والرعاية، والاستفادة من تلك الخبرات الثرية من الميدان، والتي بلغت القمة في النضج، في السلوك الاجتماعي، وفي الجانب المهاري للمهنة،وقد قاد هذا التوجه الأمير الإنسان (نايف بن عبد العزيز)، رجل الأمن، ورجل المجتمع، ورجل الثقافة، والذي لم تصرفه جسامة العمل الملقى على كاهله عن تلمس كل ما قد يسهم في بناء ثقافة وحضارة هذا البلد، غير خافٍ على سموه أن الإنسان هو محل الاستثمار الحقيقي، لأي مجتمع، ولأي أمة ذات حضارة أصيلة.بلا شك تلك خطوة من خطوات كثيرة تحسب لسموه.

* طبيعي أن يتمثل هذا الاهتمام (بالمتقاعدين) في استقطاب بعض الجهات، سواء كانت حكومية، أومؤسسات القطاع الخاص، وهي الأكثر مرونة في أنظمتها، حيث استعانت بهذه السواعد القوية المخلصة، وقد أثبت الكثير منهم بلا منازع كفاءته وقدرته على تحسين الإنتاج والتطوير المستمر للمنشآت، بل وجدوا في أنفسهم أشخاصاً آخرين، حين أتيح لهم العمل بحرية، قد لا تتوافر في العمل الحكومي.

* ثمة فئات أخرى من المتقاعدين تختلف ظروفها، فسعى لهم المخلصون من أبناء هذا الوطن فكونوا لهم الجمعيات التعاونية لدراسة كل ما يمكن تقديمه لهم من حوافز ومميزات، نظير ما قدموه للوطن والمجتمع من خدمات.

* رغم قسوة التقاعد على البعض ونفورهم من تذكره، واجترار ذكريات أيام العمل الجميلة، فإن هناك فئات ليست بالقليلة تترقب هذه المرحلة، وكم تمنى على نفسه نفاذ الأيام، وهي نافذة لامحالة، أو شراء (الخدمات الوظيفية)، وناشد صناع الأنظمة دراسة ذلك وطرحه. بالتأكيد هذه الفئة قليلة، تمتلك طموحات وأهداف عريضة في الحياة. هذه حكمة الله في خلقه، وكل يوم يمرٌّ يدنو به الأجل. وخير الحياة ما أثمرت عن عمل صالح. كلنا يعلم ذلك علم اليقين، والقليل منا يستشعره في حركاته وسكناته، ويترقب يومه الموعود محاسباً نفسه، مستصحباً معه أسباب الفوز والفلاح، يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئا والأمر يومئذٍ لله.



dr_alawees@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد