Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/08/2008 G Issue 13102
الثلاثاء 11 شعبان 1429   العدد  13102

إنه يتيم أهل.. لكنه بشر
هياء الدكان

 

بعض الناس تأسرهم نظرة سلبية عن واقع اللقيط وتذهب بهم تصوراتهم السلبية في النظرة إليه على أنه ابن زنا وقس على هذه النظرة ما تريد؟! فتنعكس هذه النظرة ذات الطابع الأسود على كل ما يتعلق بهذا الإنسان من نظرة دونية أو حتى توقع منه الفشل أو عدم الاتزان مستقبلا إلا تتفق معي أخي القارئ أن هذه الفكرة والعمل على أساسها هو الظلم بعينه.. نعم لنعود إلى تعريف الشريعة الإسلامية للقيط حيث عرف الفقهاء اللقيط بأنه مولود حيّ نبذه أهله لسبب من الأسباب، كخوف العيلة (الفقر) أو الفرار من تهمة كالزنا أو قد يكون قد ضل ولم يعرف نسبه..، أو يكون الولد ضحية لزواج لم تستطع الأم إثباته، وتخلى عنها زوجها وعنه كما يحدث في بعض حالات الزواج المسمى (مسيار). وغير ذلك من الأسباب.

إلا أن أخذ اللقيط على من وجده فرض كفاية، وإذا غلب على ظنه هلاكه لو تركه كان أخذه فرضاً ويأثم إذا لم يأخذه، لأنه بشر ومخلوق ضعيف لا ذنب له ولا حول له ولا قوة، وإنما الإثم على من طرحه أو تسبب في وجوده في حالة كان من طريق غير مشروع. والشيخ ابن باز رحمه الله وجمعنا به في مستقر رحمته أفتى أثناء رئاسته للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية وأعضاء اللجنة في الفتوى رقم (20711) بتاريخ 24-12-1419هـ بما يلي : (إن مجهولي النسب في حكم اليتيم لفقدهم لوالديهم، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب لعدم معرفة قريب يلجؤون إليه عند الضرورة. وعلى ذلك فإن من يكفل طفلا من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا) رواه البخاري.

إذا إن هذا الطفل حر في الإسلام وحكمه حكم اليتيم ولكافله أجر وثواب عظيم للحكمة المشروعية في تربية اليتيم الذي يحتاج الرعاية والحماية لأنه لا والد له فكيف بمن لا والد له ولا والدة ولا أخ ولا أخت ولا خال ولا عم ولا حقوق نسب ولا ميراث فذاك يتيم أب وهذا يتيم أهل..

خذ نفسا عظيما فالحمد لله أن تلك النظرة القاتمة بدأت تتفتح وتصفو يوما بعد يوم وتكون بألوان وردية وسحب سماوية فيلاحظ الإقبال الكبير على كفالة ذوي الظروف الخاصة واحتضانهم وتقديرهم.. أطفال الأمس رجال ونساء اليوم يفتخر بهم المجتمع، وهذا جميل جدا لكن الأجمل معالجة هذه القضية والحد منها من جذورها وبكل السبل وذلك بالآتي أولا: الحرص على زرع المراقبة الذاتية لله جل وعلا ونبدأ بأنفسنا أولا ثم نغرز هذا الأمر لدى أبنائنا ومن هم تحت ولايتنا بتربيتهم على خشية الله جل وعلا وطاعته واتباع سنة نبيه الكريم فما تمسك بها إلا فطن ولا عمل بها ونصرها مخلصا إلا تقي، ثم إعفاف النفس يقول سبحانه {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ..} (33) سورة النور، أي الذين لا يجدون مهرا ونفقة بأن يعفوا أنفسهم عن الزنا (حتى يغنيهم الله) يوسع عليهم ويقول صلى الله عليه وسلم : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري ومسلم، ثم السعي في دعم ومساعدة وتزويج الشباب لإعفافهم وإن لم يكونوا أبناءك أو أقاربك، ومن المهم أيضا القناعة وعدم الجشع بخفض المهور والتيسير على شباب المسلمين ويقول جل وعلا محذرا: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (33) سورة النور.

ثانياً: القيام بواجب ديني ووطني وهو حب هؤلاء الأطفال أيتام الأهل ومراقبة الله فيهم فهم باب رزق وخير عظيم واحتواؤهم ورعايتهم سواء منحنا الله نعمة كفالة أو تدريس أو خدمة أحدهم وأن نربي أبناءنا على احترام كافة شرائح المجتمع {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13...

وإقامة برامج ولقاءات هادفة واستضافتهم فيها مع إشعارهم بالحب والقرب منهم باهتمام خاص فلا نعاملهم بصورة جماعية بل نشعرهم ونقدر ذاتهم فردا فردا وسيجد الثمرات كل من عمل معهم بإخلاص.

وأترككم مع هذه الأبيات وهي كلمات لأحد الأيتام يصف معاناته في هذه الرسالة:

غريب في الحياة وفي الممات

ومجهول الهوية والصفات

كذا كانت حياتي دون معنى

يفجرها ككل الكائنات

بلا أم تهدهدني رضيعاً

تقبلني ككل الأمهات

تكفكف لي موعي حين أبكي

وتسمعني أغاني مرضيات

بدون أب أضم إليه اسمي

ويحمين ي سهام النائبات

يقرر لي ويمنحني حنان

وبعض الحب مثل الأعطيات

بلا مأوى يلملم لي شتاتي

بلا أهل ولا حب يواتي

أقاسي اليتم ويح اليتم

إني بلا نسب فأحمي به ذاتي

وأبقى في صراع سرمدي

وأصرخ بالدموع الساخنات

فمهلا أيها القلب المعنا

ورفقا بالعيون البائسات

إلهي ارحم وعاف وارفع قدر وعظم أجر وأخلص نية كل يتيم أهل وكل من كفله ورباه أوعلمه حرفا أو سلوكا أو كان له قدوة طيبة أو قام على شؤونه وماله بالحسنى مخلصا لوجهك الكريم واجمعه بحبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم اللهم آمين.

haya.d.2007@Gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد