Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/08/2008 G Issue 13103
الاربعاء 12 شعبان 1429   العدد  13103
يارا
سولجنستن
عبد الله بن بخيت

قرأت كتاب جناح السرطان لمؤلفه ألكسندر سولجنستن قبل حوالي ربع قرن. في ذلك الزمن كنا نقيم الأعمال بناء على المواقف السياسية. ترجمة اسم الكاتب أهم من ذوقنا ومن قدرتنا على الحكم ومن الإبداع نفسه. فإذا كان الكتاب مما يتفق مع الهوى صار كاتباً عظيماً وإذا اختلف معنا صار كاتباً رديئاً.

جناح السرطان رواية تتحدث عن رجل خرج من معتقله السياسي وأودع مصحة لعلاج السرطان. لا أتذكر تفاصيل الحكاية ولكنها كانت من أجمل الروايات التي قرأتها. كان رواية تتميز بالبصيرة والحس الإنساني. على الرغم من أن الكاتب لم يذكر فيها أي شيء يتصل بالسياسة إلا أنها تنضح بالآلام التي يتركها المعتقل في الإنسان, وليس مرض السرطان الذي أصيب به المعتقل بعد خروجه إلا إشارة واضحة أن المرض الذي تركه المعتقل في جسد السجين وروحه لا يمكن البرء منه. إذا كان السجين خرج من المعتقل فالسجن لم يخرج من جسد وعقل السجين أبداً.

قرأت الرواية عدة مرات وعلى عدة مستويات. حاولت الهروب من الألم الذي تتركه حياة إنسان صودرت حياته الحقيقية وشبابه وعمدت إلى اللجوء إلى جمال النص والسرد البطيء المحطم للأعصاب إلا أن الكلمات المضيئة والجميلة التي زرعها المؤلف على شكل نقاط كانت في الواقع تشكل رؤوس دبابيس لا تلبث أن تضع القارئ أمام مسؤوليته. فالهروب من قراءة النص كما هو والبحث عن الجمال عمل غير حكيم. كل جزء من الكتاب هو مشروع ألم.

احتفظت برأيي لنفسي حتى لا يخرجني الزملاء والأصدقاء الثوريون من الملة. لا أتذكر من ترجمها إلى العربية. في ذلك الزمن كانت الترجمة مقصورة على الكتاب الثوريين والمتفقين مع التيارات الثقافية العربية السائدة أو من تفرضه الجوائز الكبرى كجائزة نوبل. حرم قراء العربية من كثير من الكتاب والأعمال الإنسانية بسبب السياسة.

قبل عدة أيام مات الكاتب سولجنستن عن عمر يناهز التاسعة والثمانين. آخر مقابلة قرأتها له في مجلة التايمز الأمريكية. كان حينها يعكف على كتابة تاريخ روسيا منذ بدء الخليقة إلى اليوم الذي يتوقف فيه عن الكتابة. لا أعلم ما حل بمشروعه ذاك. ربما ينشر في المستقبل. فالأمر بالنسبة للقارئ العربي معضلة خطيرة. فالحضر على الأعمال الجليلة سيتوفر من كافة القوى مهما تصادمت. فإذا لم يحضر سياسيا سوف يحضر أخلاقيا وإذا لم يحضر أخلاقيا سوف يحضر اجتماعيا. لمن يريد أن يعرف هذه الكاتب ومشروعه الإنساني بإمكانه أن يقرأ كتابه (يوم من حياة أيفان). يقدم لك هذا العمل برنامج يوم كامل عن حياة سجين في أحد المعتقلات القاسية في سيبيريا التي تهبط فيها درجات الحرارة إلى أقل من ثلاثين تحت الصفر. رواية كاملة عن يوم واحد فقط. لا تتوقع أن تعطيك الرواية أي شيء عن سبب الاعتقال أو حتى لمحة كافية عن حياة السجين قبل المعتقل.



Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد