Al Jazirah NewsPaper Wednesday  13/08/2008 G Issue 13103
الاربعاء 12 شعبان 1429   العدد  13103
نور وسنوات الضياع
مي عبد العزيز السديري

الفن علم عالمي جميل، وهو لا ينحصر في مجال واحد، فهو مسرح وموسيقى وغناء ودراما، وهو عبارة عن مهارة يُستحصل عليها بالتجربة والدراسة والملاحظة.. ويمكن القول بأنه الاستخدام الواعي للمهارة والخيال المبدع في التعبير عن المواضيع الجمالية والأعمال المنتجة التي تُناقش مفاهيم ذات أهداف مختلفة - اجتماعية - سياسية - تربوية وتثقيفية ودينية تهدف كلها للارتقاء بالمجتمع.. ويمكن للفن أن يؤرِّخ لفترة زمنية تتصل بحياة الأمة كما هو الحال في مسلسل الملك فاروق ومسلسل ليالي الحلمية.. وقد قيل إذا أردت أن تحكم على رقي أمة من الأمم فما عليك إلا أن تعود إلى فنها إذ إن الفن يلقي الضوء على شخصية الإنسان في اختياره لما يشاهد أو يسمع أو يقرأ فكلما ارتقى الإنسان في الاختيار كلما كان ذلك الاختيار دليلاً على صحة عقل وعمق تفكير ذلك الإنسان.

المنتجون لهم الحق في إنتاج ما يرونه مناسباً لترويج إنتاجهم، ولكن من جهة أخرى يتوجب على المشاهد أن يختار المنتج الأفضل الذي تنطبق على إنتاجه المواصفات الفنية التي تقدم الخدمة المثلى للمجتمع.

إننا نرى في هذه الأيام أن الفضائيات تتبنى بث مسلسلات مدبلجة مستوردة من بلدان غربية.. بعضها ذو قيمة فنية عالية مثل (ذهب مع الريح) (GONE WITH THE WIND) وهو مسلسل عالمي ونرحب به.

وكثير منها لا يرقى إلى المستوى المطلوب ولنأخذ مثالاً على ذلك مسلسلي نور - وسنوات الضياع.. والمؤسف أن الناس قد تعلقوا بهذين المسلسلين تعلقاً بعيداً عن الواقعية، فإذا حاولنا سبر أعماق مضمون المسلسلين وقصتيهما نجد أن المسلسلين يمتدان إلى أكثر من مئة حلقة.. وأما القصة في كل منهما لا تتعدى الحب الظاهر الذي ينتقل بين مهند ونور ولميس ويحيى.. من حيث المبدأ دعنا نتصور أن المشاهد سيخسر آلاف الساعات من عمره في مشاهدة المسلسلين.. كم هو غريب أن يقبل الإنسان بأن يخسر مثل هذا الزمن ويستنفده في مشاهدة نفس المشاهد وسماع نفس القصة، علماً أن المسلسلين خياليان ورومانسيان يبعدان عن الحقيقة والحياة الواقعية.

نعم لا مانع أن يقضي الإنسان مثل هذا الوقت وأكثر إذا كان هناك دراما حقيقية عالمية، لأنه عندئذ يكون قد أغنى نفسه وعقله بما يستحق أن يُسمى فناً عالمياً.. لكن في حالة المسلسلين المذكورين لا نرى إلا حباً مهزوزاً بين نور ومهند ولميس ويحيى لا يكاد يستمر إلا فترة وجيزة ثم تنقلب الأمور.. فأين ذلك الحب من الحب الحقيقي الذي يصلح لأن يكون حباً نموذجياً يُحتذى؟!

وهكذا نرى أن شخصيات المسلسلين تنتقل في الحب والفراق، بين الصفاء والجفاء ويتكرر هذا المشهد مهند يحب نور ثم يتركها، ويحيى يحب لميس ثم يفترق عنها وكأننا أمام أطفال يحبون بعضهم لحظة ثم يتغير ذلك الحب وينقلب إلى كراهية.. وهنا لا بد أن نقول لمثل هؤلاء إن الحياة ليست هكذا.. إن تصرفهم تصرف غير طبيعي وهم بهذا التصرف لا يفهمون معنى الحب الحقيقي ولا يعبِّرون عن القداسة التي يتمتع بها الحب إذ إن الحب هو عتاق أيدي بين الأرواح لا تزعزعه عواصف ولا سلطان للغضب والهجران في قاموسه.

المسلسلان من أولهما إلى آخرهما دون هدف أو رمز وهما مجرد تكرار ممل لنفس المشاهد والمواقف، ليس هناك توازن بين المشاهد وما يجب أن يكون عليه العرض بموجب مواصفات الفن العالمي.

وفي الحقيقة انتابتني الدهشة عندما عرفت أن هناك عدداً من الفتيات قد غيرن أسماءهن واستبدلنها باسم نور أو لميس وأن هناك عدداً كبيراً من المواليد الذكور والإناث قد أعطاهم آباؤهم أسماء مهند ولميس ونور ويحيى ومن الطرافة أن شاباً قد ذهب إلى طبيب تجميل حاملاً صورة مهند وطلب منه أن يجري له عملية تجميل ليصبح وجهه شبيهاً بوجه مهند.

وبالمقابل نأخذ مسلسل (سقوط طائرة) فإننا نجد أنه يستوفي متطلبات الفن العالمي حيث نرى أن لكل راكب من ركابها قصة خاصة به ومشاهد مختلفة ومواقف مختلفة وحبكة فنية بكل معنى الكلمة، هناك طبيب لديه قصته المختلفة عن قصص الآخرين وكذلك الطفل والمرأة والشيخ الهرم، نسمع قصصهم فتعطينا عبرة في جوانب الحياة.. وهكذا نجلس ونتابع المسلسل باهتمام بالغ، لأنه يتحدث عن الواقع الذي نعيشه بكل صوره وبالتالي يجد كل منا نفسه بين هذه المجموعة ويتفاعل معها لحظة بلحظة.. لماذا طبعاً لأن المشاهد محبوكة بشكل فني تتضمن وقائع تشير إلى حقائق مقبولة بالميزان الفني وبخاصة ذلك الأداء الرائع في سلوك الأفراد حينما كانوا في البر أو البحر أو الجو أو الصحراء.

من المعروف أن لكل إنسان غاية وعلى الإنسان العاقل أن ينظر فيما يؤذيه فيتجنبه وفيما ينفعه فيسعى إلى العمل على تحقيقه وعليه أن يتذكر أنه ليس له إلا أيامه المعدودة التي ما ذهب منها لم يستخلف وأن حياة الإنسان قصيرة وقصيرة جداً وتمر الأيام دون أن يدري أن عمره كلما طال نقص.. وهذا يعني أنه ليس هناك شيء أثمن من الوقت.

والحالة هذه أرى أنه يتوجب على الإنسان أن يشغل أوقات فراغه فيما ينمي عقله وشخصيته ويحافظ على القيم التي تعزز مركزه في المجتمع وترتقي به إلى السمو والرفعة ولا بد أن أقول للمشاهد عليك أن تحذو حذو النحلة فهي لا تحط إلا على الأزهار الجميلة لتمتص الرحيق.. وإذا كنت تريد أن تشغل أوقات فراغك عليك أن تحكم عقلك وأن تشغله بما يؤدي إلى عمارة قلبك ويغذي روحك ويغني فكرك بما يساعدك على تطهير النفس من أدرانها ويؤمن لك الارتقاء إلى مقام علو الهمة وعزة النفس.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد