Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/08/2008 G Issue 13104
الخميس 13 شعبان 1429   العدد  13104

أوتار
رثاء الحب
د. موسي بن عيسى العويس

 

الحب بمفهومه الواسع ينحره صاحبه، حين يتحول عنده إلى بكاء وعويل، وإذا كان الكثير منا يتصور (الشباب) مجمع العواطف، ومرحلة الذوبان في متاهات الحب، والبكاء من أجله، والتعلق بالقشور منه فإن الشيوخ في هذا الجانب كذلك يمتلكون أعنف العواطف الباكية، وأشدها صدقاً، وأكثرها تنوعاً، وبخاصة في بعض المراحل العمرية المتأخرة التي لا يصل فيها ولو إلى بعض كل ما يتمناه، حينها تتحول الذكريات والحنين إلى بكاء جارف مبعثه (الحب)، وإن أخذ صورا ومعاني مختلفة.

(البردوني) رثى ذاته رثاء حاراً، يوم أن جفت من قواه منابع الحب، وتعطلت عنده بعض الأسباب والدوافع، واستطاع أن يوهم نفسه الشاعرة بالانفصال بين وجدانه وفصائل المجتمع من حوله، إذن يتساوى مع (الشباب) في كون البكاء عنده وسيلة عاجز عن تحقيق كافة المآرب، فتبقى كبرياء النفس حينئذٍ شاحنة في مثل هذه المواقف، وبطبيعة الحال لا يمكن أن نتصور إنسانا يعيش بعواطف هامدة جامدة، مهما كانت عنده درجة اليأس، والإحباط، والقلق، والتشاؤم، ولهذا كان هذا التساؤل من (البردوني)، حين يقول:

وكيف أحيا بلا حبٍ ولي نفس

في الصدر أنشره حيناً وأطويه

أفرغت من حدق (الأجفان) أكثره

دمعاً، وألقيت في النسيان باقيه

ما ضرني لو حملت الحب ملتهباً

يميت قلبي كما يهوى ويحييه

* خواء البشر من العواطف الوجدانية في زمن (الآلة) تجريد له من الإنسانية، وثمة عوامل كثيرة تذكى هذه الجذوة الخيرة في الإنسان، فتسمو به في علاقاته الإنسانية مع الآخرين، وتخلق له جواً من السعادة والغبطة والسرور، وأكاد أجزم أن لثقافة الشعوب وحضارتها وبيئتها دوراً في تأصيلها واستمرارها وتوارثها.

* في حياة (الكبار) جميع أنواع البكاء ودوافعه مبعثه (الحب)، يتماهى في حب ذاته فيبكي، تطوف أمامه خيالات الماضي فيبكي، يتذكر قوته أمام ضعفه فيبكي، يتداخل عنده العتاب والاعتذار فيبكي، نوائب الدهر فيبكي، تمثل أمامه مواكب الأفراح فيبكي، يستشعر العقوق والتجاهل من الغير فيبكي.

* كثير من هؤلاء البكائين أسقطوا عواطفهم بغزارة في الروايات والقصص والأشعار، المقروء منها والمسموع، وتساوى في ذلك الشباب والشيوخ، وأصبح الأدب الباكي سمة، يتسابقون على ترويجه وتسويقه، ويحشدون أدوات فنهم في سبيل تنميقه، فيتلقفه كثير من القراء دون تمييز أحيانا.

* هذه الاتجاهات تحتاج في نظري من يضعها في المسار الصحيح، ويقيم نتاجها وينقدها بصورة عقلانية متزنة، تشجع الموهبة النادرة ولا تقتلها، وتتركها تتمادى في مسالك لها خطورتها على الحياة الاجتماعية بالمدى البعيد، فالتوزان في بناء شخصية الإنسان نفسياً واجتماعياً وثقافياً نحتاجه كثيرا، حين نؤهل هذا الإنسان للحياة، كي يتكيف معها في كافة الظروف والمواقف.

dr alawees@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد