Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/08/2008 G Issue 13104
الخميس 13 شعبان 1429   العدد  13104
إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

الابتسامة

والانطباع الأول

* السلام عليكم ورحمة الله

أنا يا دكتور شاب محطّم وتعبان نفسياً لي سنتان أبحث عن وظيفة ولم أجد رغم أني أحمل مؤهلاً جامعياً، المشكلة أنني قدمت أوراقي لأماكن كثيرة إما لا أجد جواباً أو يطلبون مني أحياناً مقابلة شخصية، وهنا المصيبة!! لا أدري ماذا يحصل لي في المقابلات الشخصية أرتبك وأتلعثم في الكلام وأحس أن روحي بتطلع من صدري .. أحاول الهدوء لكن أفشل وأحياناً يسألني مديرو أقسام في المقابلة أسئلة غريبة ومستفزة تجعلني عصبياً أكثر ولا أتمالك نفسي وأرد ردوداً غريبة أندم عليها، وطبعاً النتيجة أنني عاطل حتى إشعار آخر .. الزبدة أصبحت مشتتاً لا أعرف هل المشكلة فيني أم ماذا وهل يوجد لها حل على الأقل أكون هادئاً وواثقاً في نفسي وقت المقابلات الشخصية؟؟

* أخي الكريم يبدو من رسالتك - أعانك الله - أنك كتبتها وأنت متأزم ومنفعل ولا بأس في ذلك لعله يكون فيه نوع من التنفيس الانفعالي لك، واسمع من أخيك نصيحة يريد بها بإذن الله تعالى الخير والنفع لك في مستقبلك. يبدو أنك من النوع الذي تتحكم فيه عواطفه وانفعالاته كثيراً ولذلك فليس مستغرباً أن لا تؤدي في المقابلات الشخصية بشكل جيد، والسبب في ذلك أنك تنطلق من موقف انفعالي لا يساعد على الأداء بنجاح (كيف؟)

أنت كما يبدو تدخل المقابلات الشخصية بموقف أنها إما حياة أو موت وأن مستقبلك كاملاً يتوقف على هذه الدقائق القليلة في المقابلة، حيث يكون نمط تفكيرك في الغالب بهذه الطريقة: (آآآآه أنا لي أكثر من سنة بدون وظيفة وهذي قد تكون فرصتي الأخيرة إما حياة أو موت، إما أكون أو لا أكون، إما موظف أو عاطل بقية عمري،, يجب أن أقدم نفسي لهم بأفضل وأقوى صورة، أنا محتاج جداُ للوظيفة، ربما أنا أكثر شخص في العالم محتاج لهذه الوظيفة، لذلك يجب عليهم أن يقبلوني، أكبر ظلم أن لا يفعلوا ذلك) .. ألا تشعر أنّ مثل هذه الأفكار تراودك كثيراً قبل المقابلات، إذن تابع معي ما الذي ينتج عن هذا النمط من التفكير،, الناتج هو أنك ستصبح في وضعية التحفز الكامل، أو ما يسمى من الناحية النفسية بوضعية القتال أو الهروب، وهذه الوضعية تعني من الناحية الفسيولوجية الجسدية إفراز كميات ضخمة من هرمون النورأدرينالين الذي بدوره يعطي الأمر بتسارع ضربات القلب وزيادة إفراز العرق ونشفان الريق، وبالتالي ظهور اللعثمة في الكلام والارتباك الواضح، والذي يؤدي بدوره إلى سهولة استفزازك وإخراجك عن طورك .. (وما هو الحل إذاً؟)

الحل هو أن تتعلم فن ترك انطباع أولي جيد، وهو الفن الذي تحتاجه في المقابلات الشخصية، لأنّ الانطباع الأول في الغالب هو الانطباع الذي يبقى بل قد تحدد وبدون مبالغة الثواني الأولى من المقابلة مسار المقابلة بالكامل بعد ذلك. ولذا فعليك باتباع النصائح التالية:

1 - حاول تغيير نمط تفكيرك من وضعية التحفز الكامل (أكون أو لا أكون) قبل المقابلات إلى وضعية أكثر هدوء واسترخاء، وذلك بتبنِّي موقف nothing to lose أي لا يوجد شيء لدي أخسره، إذا تم رفضي فهذه ليست المرة الأولى ولن يتغير وضعي فأنا عاطل وسأبقى كما أنا عاطل، أما لو تم قبولي فهذا هو المكسب دون شك، هذا الأسلوب في التفكير سيخفف كثيراً العبء النفسي الذي كنت تحمله على كاهلك بأسلوب تفكيرك السابق.

2 - حاول أن تكون على طبيعتك بقدر الإمكان وأحد الوسائل التي ستساعدك على ذلك هي أن تسأل عن المديرين الذين سيقومون بمقابلتك، أعني عن طبيعتهم وشخصياتهم وحتى إن استطعت عن طبيعة حياتهم من الأشخاص الذين يعملون معهم، والهدف من ذلك هو أن تتعرف أكثر على طبيعتهم الإنسانية فيقل بذلك ارتباكك وقلقك الذي يسبق مقابلتهم.

3 - تعوّد أن تبتسم دائماً في بداية المقابلات لأنّ الابتسامة لها مفعول السحر في إعطاء انطباع أولي مريح عند الآخرين، وهناك بلا مبالغة مئات الأبحاث والدراسات الخاصة بتأثير الابتسامة، ولذلك يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، فأنت حين تبتسم فإنّ ردّة الفعل التلقائية من الآخرين هي الابتسام، وبذلك تساهم في خلق جو من الراحة والإيجابية، كما ثبت علمياً أنّ الابتسامة تساهم في زيادة إفراز مادة الاندورفين في الجسم والتي بدورها تساعد على الشعور بالاسترخاء وتخفف مشاعر التوتر والقلق، والأعجب من ذلك أنّ هذه المادة التي تفرز بشكل طبيعي من المخ تعادل في قوّتها 6 أضعاف قوّة مادة الهيروين المصنّعة، فسبحان الخالق العظيم.

4 - أظهر احتراماً وتقديراً للأشخاص الذين يقابلونك وتذكّر أنهم قضوا سنوات طويلة في المجال الذي يعملون به، ولذلك فمن حقهم إظهار الاحترام والتقدير لهم، وهناك فرق كبير بين احترام الأشخاص والخوف منهم، فالمطلوب هنا هو إظهار الاحترام والتقدير وليس الخوف والتوتر.

5 - قد يكون من المفيد لك إذا شعرت بعدم القدرة على السيطرة على مشاعر التوتر والقلق أثناء المقابلة أن تصرح لهم بذلك بطريقة ذكية كأن تقول مثلاً: (عذراً فأنا مرتبك ومتوتر لأنني أشعر بقيمة وأهمية من أجلس أمامهم كخبرات وقامات كبيرة في العمل الإداري)، بتصريحك بما يشبه هذه العبارة تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، صرّحت بشعورك بالتوتر وبالتالي ستشعر بأنك أزحت جبلاً وهماّ عن كاهلك، وفي نفس الوقت أظهرت احتراماً وتقديراً يستحسنه أي إنسان على وجه الأرض مهما بلغت مرتبته.

6 - لا تنس في نهاية المقابلة أن تشكر من يقابلك وتظهر له سعادتك بلقائه بصرف النظر عن النتيجة. جرِّب عبارة من قبيل: (حتى لو لم أقبل بهذه الوظيفة فقد كسبت مقابلة شخص مثلك أو أشخاص مثلكم).

باختصار حاول أن تغيِّر أسلوبك السابق وتجرِّب كل الأساليب الفعّالة المذكورة، وستجد بإذن الله تعالى أن النتيجة في المرة القادمة قد اختلفت .. وعندها سأنتظر منك رسالة أخرى تزفّ بها لي البشرى بحصولك على وظيفة.

وفّقك الله.

إضاءة:

قبل أن تبحث عن نزع شجرة الشر من الآخرين ابحث عن شجرة الخير فيهم واسقها.

دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


e - mail: mohd829@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد