Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/08/2008 G Issue 13110
الاربعاء 19 شعبان 1429   العدد  13110
يارا
عبد الله بن بخيت

أحيانا نحتاج أن نتذكر قصصا مللنا سماعها. قرأناها في الكتب وسمعناها في المدرسة وتبادلناها في الجلسات وتحول طرفها الحاد إلى مثل يضرب به عند الحاجة. من هذه القصص قصة الراعي الأخرق والذئب. كان الراعي يصرخ الذئب الذئب فيهب أهل القرية بسلاحهم وعندما يخرجون يجدونه يضحك. كررها عدة مرات إلى أن جاء ذلك اليوم الذي هجم فيه الذئب على القطيع فأخذ ينادي الذئب فلم يصدقه أحد فالتهم الذئب الأغنام الخ. ذهبت قصته مضرب المثل للمزح الأخرق أو التحذير السخيف.

قبل سنوات ركب قليل من الناس دشوشاً فهب الصراخ والنواح وأعلن البعض حالة الطوارئ فالأخلاق الحميدة في خطر، ووصف أحدهم من يدخل هذه الدشوش في منزله بأسوأ كلمة يمكن أن يسمعها الإنسان في حقه, بل قام بعض الشباب الغيور بحمل السلاح وراحوا يطلقون النار بالساكتين على الدشوش في أعالي السطوح، وبعد فترة تناقص سعر الدشوش فتراكض الناس لاقتنائها حتى أصبح الدش جزءاً من حياة الناس، ولم نلاحظ أي تغيير على أخلاق الناس الحميدة. ما أن هدأ صراخ الدشوش حتى دخلنا في صراخ كاميرا الجوال. سرنا في نفس طريق الدشوش. تآخت المنابر مع الحناجر مع الجرائد للتحذير من الويل والثبور وعظائم الأمور ولكن التكنولوجيا فرضت نفسها فأصبحت الكاميرا جزءا لا يتجزأ من الجوال، ولم نلاحظ تغيراً على أخلاق الناس الحميدة. عندما أطلت الإنترنت بدأت معركة طاحنة حول كمية الأخلاق الحميدة التي سوف تهدر. كلنا نتذكر التباري في وضع القيود والأنظمة والضوابط وغيرها ولكن التكنولوجيا كعادتها فرضت نفسها وسارت الأمور كالعادة ولم نسمع بأي نقص معتبر في الأخلاق الحميدة. سمعنا ونسمع باستمرار عن الدمار العظيم الذي يسببه لعبة البلاي ستيشن على (فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض) حتى أن أحد الكتاب قال سيأتي يوم تنتزع هذه اللعبة أبناءنا من دينهم والعياذ بالله من ذلك اليوم.

أما إذا تركنا تكنولوجيا الهاردوير (الأجهزة والمعدات) وانتقلنا إلى السوفت وير (الأفلام والمسلسلات) سنرى أن معاول الهدم الأخلاقية أكثر مضاءً من الحسام المهند. لا يمكن لأحد أن ينسى الصراخ المدوي الذي صم الآذان على برنامج ستار أكاديمي. إذا لم تهب شركة الاتصالات ومجلس الشورى ووزارة الاتصالات وغيرها من الأجهزة الحكومية وغير الحكومية فقل على الأخلاق الحميدة السلام. مضى ستار أكاديمي كما رسم له بل نافسته برامج مشابهة له في قنوات أخرى وما زالت الأخلاق الحميدة على حالها الذي كانت عليه قبل بث هذا البرنامج. في تلك الأثناء هبت الفتاوى والتحذيرات من برنامج (طاش ما طاش) وما يحتويه من خبث خفي وخطة مدروسة لتقويض الأخلاق الحميدة. مضى على (طاش) خمس عشرة سنة، كنا في أحر الشوق لنعرف الجهة المستهدفة من الأخلاق الحميدة التي ينوي هذا البرنامج تقويضها, مضت الأيام والسنون حتى توقف البرنامج برغبة من أهله دون أن نلاحظ سقوط أي قطعة من كتلة الأخلاق الحميدة. اليوم موعدنا مع المسلسلات التركية. حسب السياق وما نفهمه من كلام الكتاب المحذرين فإن الأخلاق الحميدة في حال الخطر الداهم، رغم أن المسلسل الأول انتهى والمسلسل الثاني على وشك الانتهاء دون أي تقرير عن أي شيء يمس الأخلاق الحميدة إلا أن الصراخ ما زال قويا ومدويا ولا نعلم ما الذي سوف يحدث ولكن ما يمكن أن نقوله أن هذا الصراخ المستمر يكاد يقوض مصداقية وسائل الإعلام وأصحاب الفتاوى المستعجلة. سيأتي اليوم الذي نحذر الناس فيه بصدق وأمانة من خطر أخلاقي حقيقي بيد أن الناس لن تصدقنا ليصبح حالنا كحال الراعي الأخرق والذئب.

YARA.BAKEET@GMAIL.COM


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد