Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/08/2008 G Issue 13110
الاربعاء 19 شعبان 1429   العدد  13110
ثقافة تكبر
د. عقيل محمد العقيل

لا أعتقد أن ثقافة تكبر تتناسب وعقل الإنسان السوي الذي ميزه الله بالعقل الذي يستطيع أن يحول البيانات التي تصل له من خلال هذه الحواس الخمس إلى معلومات ومن ثم إلى معارف يحللها ليستطيع تشخيص الوضع الحالي واستشراف المستقبل ليقوم بوضع الخطط لاستثمار الفرص الحالية والقادمة وتجنب المخاطر الحالية القادمة فضلاً عن تمتعه بالقدرة على التخيل والعمل على تحويل الخيال إلى واقع، ولكن وللأسف الشديد هناك كثير من البشر أبى إلا أن يتنازل عن مميزاته البشرية ليكون في مصاف أدنى حيث لا يتجاوز حواسه الخمس في تشكيل مواقفه وسلوكياته.

في برنامج حواري التقى مقدم البرنامج مع مستثمر عقاري وآخر كاتب اقتصادي في صحيفة، حيث قال المستثمر لمقدم البرنامج بأنه فوجئ بارتفاع أسعار العقارات والإيجارات، فرد عليه الكاتب قائلاً كيف تفاجأ وأنت مستثمر؟.. يجب أن يعمل عقله في استشراف المستقبل لتحديد الفرص واستثمارها والتهديدات وتجنبها. وأقول هنا إن هذا المستثمر لم يرها حتى كبرت وبانت ليكون موقفه وسلوكة ردة فعل على ما حصل، في حين أن غيره من أعمل عقله البشري استثمر الفرص وتجنب المخاطر مما جعله أكثر منافسة وقدرة على الاستمرارية والنمو.

لدينا نمو سكاني كبير ونعيش في بيئة صحراوية جافة طاردة للسكان على مر القرون مما جعلها نادرة السكان، واليوم بفضل العهد السعودي الزاهر أصبح السكان في تزايد، حيث من المتوقع أن نصل إلى أكثر من 40 مليون نسمة في العقدين القادمين في بيئة لا ماء ولا زرع فيها، وهذا يعني أن هناك حاجة لتوفير الطعام والماء والكهرباء والمساكن والتعليم والعلاج والوقود والفرص الوظيفية لملايين من البشر أغلبها في سن الشباب، حيث القدرات الإنتاجية المقرونة بالقدرات الاستهلاكية أيضاً، ولاشك أن توفير كل ذلك في الوقت المناسب بما يحقق متطلبات العيش الكبير علمية تحتاج لتخطيط وتنظيم وتنفيذ سريع يتناسب وسرعة النمو وتسارع المتغيرات، وهو ما يستدعي استخدام المميزات البشرية في أقصى طاقتها وعدم اقتصارها على الحواس الخمس، حيث يتم التفاعل مع كل مشكلة أو قضية بعد أن تكبر وتبان.

المشاكل التي كبرت وبانت حالياً مثل مشاكل العشوائيات ومشاكل المياه والصرف الصحي في جدة والمناطق الجنوبية، ومشاكل الكهرباء، ومشاكل الإسكان تشعرنا بشيء من القلق، ولكن الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين حفظه الله والأجهزة الحكومية وجهود القطاع الخاص والجهود الأهلية تبشر بخير خصوصاً وأننا نرى الخطط الإستراتيجية ذات الرؤى البعيدة أصبحت معتادة لدينا، وكلنا أمل بأن ثقافة تكبر وتبان قد ولت وأصبحنا أمام ثقافة تبان قبل أن تكبر.



alakill@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد