Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/08/2008 G Issue 13111
الخميس 20 شعبان 1429   العدد  13111
شيء من
النقد، الموضوعية، التغيرُّ
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

التغير سُنة من سنن الله في الحياة الدنيا، لا يمكن لكائن من كان أن يقف أمامه، أو يتحداه، لأنه ببساطة سيجرفه، ويلقيه على ضفاف الوادي تماماً كما فعل سيل العرم بسد مأرب.

كثيرون أولئك الذين (تحدوا) التغير، ومقتضيات الواقع، وأصروا على مواقفهم، ولم يتماهوا مع المستجدات، وفي النتيجة خرجوا من المعلوم إلى المجهول، الحياة المعاصرة مثل العربة المندفعة بقوة إلى الإمام، يتغير موقعها حسب سرعتها، ومن سقط منها فلن يستطع أن يلحق بها على قدميه، حتى ولو امتلك سيقان كسيقان عدائنا التراثي الشهير (شيبوب) الذي لا يرى طيفه وهو يعدو في الصحراء كما تقول الأسطورة العربية.

ولن ننمو - أيها السادة- ونتقدم إلا بقراءة واقعنا قراءة متفحصة، ونجعل من (النقد) أداتنا لتقويم مسيرتنا التنموية، فالذي يهدي إلى عيوبي يجب أن أقول له: أحسنت، وليس: اخرس، ولا يتحمل النقد، ويستفيد منه، إلا الموضوعيون، الواثقون في أنفسهم، وفي مكانتهم الاجتماعية، هذا الصنف (المتحضر) من البشر هو الذي لا يهتم بمن قال هذا النقد، ومن يكون، وإنما بما هو هذا النقد، وما يكون، يصغي، فإذا وجد فيه ما هو مُبرّر تعامل معه بجد، وإن وجده مجرد جعجعة وليس ثمة طحناً، تركه جانباً وسار في طريقه.

وهناك بعض المقولات التي ارتقت وتكرست - للأسف- حتى أصبحت في درجة (المسلمات)، يرددها بعض السذج دون أن يكلف نفسه التفكير في مآلاتها، أو بلغة أوضح: تبعاتها، من هذه المقولات مقولة إن النقد فيه (انتقاص) لذوي الهيئة والمكانة الاجتماعية أو العلمية، أو أن فيه (تطاولاً) مرفوضاً اجتماعياً، حسب مقتضيات عاداتنا وتقاليدنا العربية (الموروثة)، وعندما تمعن النظر في هذه المقولات، وتحاول أن تقرأ تبعاتها، فلن تجد إلا أنها (حماية) للعيوب، وتكريس لها، وإبقاء على الوضع الراهن كما هو عليه، بغض النظر عن ماهية هذا الوضع.

ويخطئ من يظن أن الرأي والرأي الناقد (جديد) على ثقافتنا، فثقافة المناظرات، وآدابها، ونماذجها، يزخر بها تاريخنا، ربما أنها جديدة على تاريخنا المحلي، أما تاريخنا الممتد إلى خمسة عشر قرناً من الزمن فهي جزء محوري من أجزائه.

والنقد في هذا العهد الميمون هو من الأسس التي يسعى الملك عبدالله - حفظه الله- أن يكرسه كقيمة، ويعوّد الناس عليه، وعلى تقبله، يقول في كلمته في افتتاح الدورة الأخيرة لأعمال مجلس الشورى في إشارات لا تخفى على الحصيف: (يشهد الله تعالى أنني ما ترددت يوماً في توجيه (النقد) الصادق لنفسي إلى حد القسوة المرهقة، كل ذلك خشية من أمانة أحملها، هي قدري وهي مسؤوليتي أمام الله -جل جلاله- ولكن رحمته تعالى واسعة فمنها أستمد العزم على رؤية نفسي وأعماقها، وتلك النفس القادرة على توجيه النقد العنيف الهادف قادرة -بإذن الله- أن تجعل من ذلك قوة تسقط باطلاً وتعلي حقاً).

ومن يقرأ هذه المقولة سيجد أنها تجمع بين الأجزاء الثلاثة التي عنونت بها هذا المقال: النقد، الموضوعية، التغير، وكذلك (الصبر على النقد)، بلغة راقية ومعبرة يكتنفها الإيمان والصدق و(الثقة بالنفس) من كل جانب.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد