Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/08/2008 G Issue 13113
السبت 22 شعبان 1429   العدد  13113
علاقات برسم الحاجة
فوزية البكر

نحن الآن في قلب الصيف.. تتمطي الكثير من الحمائم النائمة داخل أوكارها الآمنة.. وتتوزع العائلات يمنة ويسرة.. فالأولاد على مشارف المراهقة.. وما يروق للوالدين قد لا يتماشي مع أمزجة هؤلاء الأولاد وأصدقائهم.. وهكذا تتوزع العائلات وتتناثر هنا وهناك بحثاً عن إجازة مسكنة.. تغتال رتابة وحر هذه المدن اللاهبة.

في خضم ذلك.. تنتفض الرغبات النائمة وأحلام الشباب والحب.. مابين الكثير من رجال هذا الوطن.. هؤلاء الرجال الذين أودعوا حمائمهم النائمة من زوجات إما وحشة الرياض حيث الأهل وبعض الأقرباء أو هم في ربوع مصر أو لبنان لمتوسطي الدخل وعلى مشارف كان وميلانو وجنيف لميسوري الحال، أما الرجل القادر فهو الباحث عن مخارج جديدة.. لا تتزعزع القائم لكنها تعين على تحمل رتابته وترطب أيام العمر تحت أجنحة الحلال.

من هنا توالدت كرة الثلج الزوجية لتفرخ كل هذه الأشكال الهجينية من الزواجات بكل الأسماء التي يمكن لعلاقات أنسانية أن تتحملها من مسيار ومصياف وفرندس ومسميات ومبرارات كثيرة قد لا يتمكن الواحد فينا من الإحاطة بها كلها لتنوعها وتجددها المبهر الذي فاق في سرعته قدرتنا على ملاحقة تنوعه وقدرته الفذة على تلبية كل الاحتياجات الطارئة.

ولنكن صادقين.. ما الذي حدث لتنفجر هذه الظاهرة وتملاء الدنيا ضجيجاً وحماساً وتشغل الفضاء والعباد؟.. كيف عاش هذا المجتمع كل أزمانه السابقة دون أن يعبر عن هذه الحاجات التي يبدو من انتشارها اليوم وعناية القاصي والداني بها من الرجال؟.. إنها فعلاً حلول سحرية لرقم لا يعرفه إلا الخالق من رجال هذا الوطن.

إن انتشار ظاهرة ما يعني حاجة اجتماعية يعبر عنها المجتمع بالوسائل التي تكون في العادة مقبولة اجتماعياً، وقد جاء هذا الشكل من علاقة الرجل بالمرأة في مجتمعنا ليحل الكثير من قضايا العلاقات الزوجية المعلقة بحكم الالتزام بالمؤسسة والأولاد والاسم وغيره من مبررات استمرار المؤسسة الزوجية.

المشكلة القيمية التي تواجهنا مع هذه الظاهرة أنها أولاً تتمتع بدرجة من اللا أنسانية لا تدركها المرأة في بداية الرحلة لكنها تقع في شباكها وتدفع ثمنها بشكل سريع لا يصدق، فإذا نظرنا لهدف المرأة عموماً في علاقتها بالرجل لوجدناها استجابة طبيعية لما فطرها عليه الخالق من إقامة لعائلة ورعاية لزوج وأطفال بهدف تشكيل وحدة الأسرة التي هي الوحدة الأساسية لبناء المجتمع فأين الأسرة هنا؟.. الثاني: هو التنازلات الهائلة التي تضطر لها المرأة لتقبل بأن تصبح العلاقة بينها وبين الرجل في حدودها الدنيا بحيث لا يربطها إلا الجنس!! فأين البعد الإنساني والدعة والرحمة والسكينة، والاطمئنان، مما تؤسس له مؤسسة الزواج؟.

المرأة في هذه الزيجات تتنازل عن كافة حقوقها الشرعية من إعلان يعطي الموقع الاجتماعي ويحفظ النسل وتتنازل عن المسكن ولا تتحكم في الوقت المخصص لها من الزوج ولا تستطيع المطالبة بنفقة أو إقامة إلا ما أراد لها الزوج أي هي في النهاية وضمن الشروط الوحشية لعلاقة كهذه تعامل كآلة جنسية مؤقتة ترمي متى تم تحقيق أغراضها أو وجد من يقوم بتنفيذ المهمة بشكل أفضل.. إن الصيغ المرضية لهذه الزوجات تؤكد وضعية متندية للمرأة في مجتمع لا يعنى بحفظ حقوقها الأساسية في زواج آمن معلن ومسكن مؤمن وآمن في الكبر وبذا فإن المرأة هي الخاسر الأكبر فيها.

ما الذي يدفع امرأة عاقلة للقبول بلعب ورقة الخيار المؤقت إلا كإعلان صارخ عن محدودية الخيارات المتاحة أمامها في بيئة ذكورية طاغية وإلا فمن يضطر إلى مثل هذه الزيجات لو وجد زواجاً مستقراً معلناً؟.

نحن ندرك تماماً أن العلاقة بين الرجل والمرأة معقدة جداً وزادت تعقيداً مع كل العوامل التكنلوجية والحضارية المعاصرة وهو ما يفسر أسباب عدم استقرار العلاقات وانتشار ظواهر مثل الطلاق والهجر والتباعد العاطفي مع بقاء مظلة الزواج وخلافه من مشكلات العلاقات الزوجية في العصر الحديث لكن هذا لا يبرر كل هذه الأنواع المهينة من الزواجات التي هي مجرد وسيلة للتنفيس الجنسي لا أكثر، حيث يصعب تماماً اعتبارها زواجات بالمعنى المتعارف عليه في الزواج المعلن الذي هدفه الاستمرار وبناء العائلة التي هي الوحدة الأساسية في بناء واستقرار المجتمع.

نحن لا نستطيع أن ننفي أن هناك احتياجات متنوعة وظروفاً مختلفة تحكم علاقات البشر، وبذا فمن الصعب تجاهل هذه الظاهرة أو المطالبة غير المنطقية بمنعها وهي مقرة شرعاً، لكن ما نستطيع طرحه هنا هو تقنين هذه العلاقات ووضعها ضمن أطر يمكّن المرأة من التمتع بشروط قانونية أفضل تحفظ لها بعض الحق الإنساني الذي أقرته الشريعة أصلاً في علاقة المرأة بالرجل.. فإذا كانت شروط الإشهار غير ممكنة ربما لظروف تحكم الطرفين فلا أقل من أن يقر علماؤنا الأجلاء وضع بعض الشروط المادية والمالية التي تحفظ كرامة المرأة وتصون حقها في عيش كريم مثل ضرورة توفير المسكن وضمانه باسم المرأة وحفظ حق النفقة الشرعية ووضع شروط دنيا للوقت المستقطع لهذه الزوجة. إن هذه الشروط في الحق لا تضمن فقط بعض حقوق المرأة كطرف في هذه العلاقة، بل قد تساعد على استمرار العلاقة نفسها حين يشعر الطرفان بشيء من المسئولية الشخصية والاجتماعية تجاه بعضهما وتجاه مؤسسة الزواج التي لم يقصد منها تقنين أو تنظيم الرغبات الطارئة، بل عنيت أول ما عنيت بالتأكيد على أهمية المؤسسة الزوجية كنواة لأسرة تشكل الوحدة الأساسية للبناء الاجتماعي.

ربما يدير الكثيرون رؤوسهم في هذه اللحظة مؤكدين أن الكثير مما يقال حول موضوع هذه الزوجات عاطفي ولا يعرف ويلمس واقع احتياجات الطرفين وأنا أستطيع أن أتفهم ذلك.. أعترف أنني أجد صعوبة شديدة في ابتلاع مفهوم هذا النوع من الزيجات لكنني في ذات الوقت أدرك أنها تعبر عن حاجة طرفين، فالمرأة ليست مظلومة مائة بالمائة في هذه العلاقة.. إنها أيضاً بحاجة لرجل ولديها ذات الرغبات الطبيعية التي لدى الذكر وهي تحظي بأشباعها من خلال هذه العلاقة، لكن ذلك لا يبرر أن تكون على هذه الدرجة من الضعف وفقدان الحق بما لا يسمح لها بأي حق يحفظ بعض حقها في عيش كريم فكيف نصل إلى ذلك؟.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد