Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/08/2008 G Issue 13114
الأحد 23 شعبان 1429   العدد  13114
حزب (التشغيب) و(التخريب)..؟!!
حماد بن حامد السالمي

الذين تابعوا حفل إطلاق فعاليات سوق عكاظ الثقافية سواء في نسخته الأولى العام الفارط، أو في نسخته الثانية هذا العام، بحيادية مطلقة دون أحكام مسبقة أو حتى دخول في نوايا الغير، أدركوا بكل تأكيد بُعد وعمق الرسالة الإنسانية التي بُثّت من هذا المنبر العربي المتميز، فعبرت أجواء مملكتنا الحبيبة إلى أجواء عربية وإقليمية ودولية بعيدة .

إن التظاهرة الثقافية التي تجري على أرض سوق عكاظ ليست فقط ما يتردد بين جنباته من حداء وغناء، وقصيد ونشيد، وتثاقف وتداول بين رموز فكرية وأدبية، وأقطاب يمثلون الشعر والنقد والمسرح والفنون الإنسانية السامية، ولكن ما تعكسه هذه الفعاليات الثقافية، من مظاهر حضارية أصيلة، ومعان إنسانية بليغة تمثل الهدف الأسمى لكل هذا الحراك الذي أخذ يدب في رميم سوق العرب المجيد بعد أن وأده غلاتهم الأسبقون، ثم سعى أحفادهم من بعدهم في هذا الوقت لوأده مرة أخرى بكل حمق وجهل وتسفُّل..

ماذا ترك غلاة اليوم من أرباب التشدد والتنطع والتشغيب على كل بادرة نهضوية جديدة، من غلو وتشغيب وتخريب، مارسه أسلافهم قبل ثلاثة عشر قرناً مضت، ضد رمز شهير من رموز حضارة العرب ولغتها وأدبها وتاريخها وثقافتها..؟! وكيف يفسرون وقفات المصطفى (صلوات الله عليه وآله وصحبه وسلم)، ست مرات بهذا السوق الكبير قبل البعثة وبعدها فلم يُذكر أنه أنكر ما فيه من شيم ومكارم وأخلاق، جاء الإسلام ليتممها..؟! ولم يأمر - صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه - ولا الخلفاء الراشدون من بعده، ولا أحد من الصحابة أو حكام بني أمية حتى العام 129هـ بوقف السوق أو تعطيله حتى أن الصحابي الجليل، (عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما تدير الطائف في أواخر حياته بجوار سوق عكاظ حتى مات ودفن بها فلم يُنكر شيئاً على السوق، ولم يؤثر عنه أنه اعترض عليه..!

هل هي مآرب وغايات في نفوس القوم..؟! ومنافع شخصية يبحثون عنها، وحرب شعواء يحذقونها، فيشنونها على كل من لم يرضخ لجهالاتهم، وعداوة يكنونها لكل من يرفض وصاياتهم، وأحقاد دفينة ينفثونها على كل من يتمرد على تقديس ذواتهم..؟!

أصبح واضحاً لكل ذي لب أن الحركة الثقافية في المملكة تواجه حزباً تخريبياً مكشوفاً ظل وما زال يترصد كل خطوة تخطوها إلى الأمام فيمارس ضدها وبكل قوة وعنف خطابه الصحوي المتمكن، وخبرته الحركية التي اكتسبها على مدى ثلاثة عقود مضت يوم أن استخدم ذرائع دينية واهية، فنجح - مع الأسف - في اكتساح المنابر الثقافية، وتسلط على قنواتها الرسمية، وحيَّد وجنَّب كل ما عداه إلا هو، حتى وصل بنا إلى حالة مزرية من التخلف والتأزم ما زلنا نعيش بعض مظاهرها حتى اليوم.

حزب التشغيب والتخريب، حزب حركي منظم له في كل منطقة ومحافظة ومدينة كوادر تُخلص له، وتعمل حسب ما تتلقاه من أوامر وتوجيهات، تحت غطاء لم يعد يخفي ما تحته من فحش، فقد شب الناس عن طوق الوصاية، وعرفوا أن دين الإسلام الذي هو دينهم ومنهجهم القويم، أرفع وأسمى من أن يستغل في التضليل على الناس، وحبسهم في أنفاق مظلمة، وحجرهم في قماقم معتمة.

فعلوها في نادي الطائف الأدبي قبل عامين مستخدمين الحشد والنفير والنكير برسائل الجوال، وبطلاب صغار في معهد كانوا يوقعون بيان حضور في صالة النادي ليتمم عليهم أستاذهم المحرض بعد ذلك، ولعلهم يدنون أو يعلون عنده بالمشاركة أو عدم المشاركة في الغزوة (المباركة)، ضد نادٍ ثقافي ليس فيه أكثر من كلام على منبر..!

وفعلوها بعد ذلك في كلية اليمامة - وما أدراك ما كلية اليمامة - ثم في معرض الكتاب بالرياض قبل أشهر. هذه مجرد أمثلة لا غير لحملات تشويه وتحريض منظمة، لم تستثن أحداً في شتى أنحاء البلاد تنفذها أدوات موجهة، وتديرها رؤوس متخفية ما تلبث أن تهرع وتفزع لتبرير (حماس) الصغار..! من أجل حمايتهم من عواقب طيشهم ونزقهم، أمام الجهات المختصة، وادخارهم لما هو آت.

أخطر ما في هذه الحالة الشاذة أن يعمد أبطالها وشيوخها إلى التدليس على بعض رجال العلم المكلفين ليصفوا في صفهم، وينصروا (أجندتهم)، وأن يجد هذا (الطابور الخامس) فزّاعات من كل مكان، مرة من جنيف، وأخرى من جازان والرياض وغيرها تقذف الخصوم بقوة وعنف، برواجم حارقة، مثل (القومية والبعثية والعلمانية والليبرالية والإرهاب)، دفعة واحدة..! أما الذي يتهم مواطنيه بالعمالة وخيانة الوطن دون دليل فله فزّاعات أكبرمن تلك تدافع وتنافح عنه باسم الدين، وتهدد المطالبين بحقوقهم بعذاب جهنم وسوء المصير..!

الحمد لله.. بلادنا بخير، وأهلنا بخير، وثقافتنا سوف تصمد وتتقدم، ورمزها الكبير عكاظ مثال لهذا النصرالذي تحقق في أقل من عامين.

لو لم ينتقل ثقل الخلافة الإسلامية إلى الشام في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، ثم إلى العراق بعد العام 129هـ، لعاد سوق عكاظ إلى سابق عهده، وغابر مجده في جاهليته وإسلامه، بعد أن قضى المسلمون الأوائل على الغلاة من الخوارج، ودفنوا معهم صلفهم وجهلهم معهم.

ولو لم يُبعث سوق عكاظ من جديد في عهد رائد الإصلاح والتجديد في هذه البلاد الملك (عبد الله بن عبد العزيز)- حفظه الله للحقنا بذلك العار والشنار إلى قيام الساعة.

إن عودة سوق عكاظ إلى سدة الثقافة العربية في هذا العصر لهي من أهم وأعظم المنجزات الحضارية التي يحق لجيلنا أن يزهو بها، وأن يفاخر بها غيره من عرب وعجم، في كل عصر ومصر.

assahm@mktoob. com


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5350 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد