Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/08/2008 G Issue 13114
الأحد 23 شعبان 1429   العدد  13114
سوريا وحتمية التعامل الواقعي مع استقلالية لبنان
عبدالله بن راشد السنيدي

لا شك أن هناك عمقاً تاريخياً للعلاقات بين سوريا ولبنان فكلاهما بالإضافة إلى فلسطين والأردن يدخلان في مفهوم بلاد الشام الذي كان سائداً في العصرين اليوناني والروماني ثم في العهد الإسلامي، ثم بعد ذلك في عهد الدولة العثمانية وفي عهد الانتداب الفرنسي والبريطاني، وبعد الاستقلال أصبح كل من هذه الأجزاء الأربعة دولة مستقلة وذات سيادة يحتم على كل طرف من هذه الأطراف الإيمان بهذه الحقيقة والتعامل معها كما هو الشأن في أجزاء مماثلة لها في أنحاء العالم، ومن ذلك حالة الكويت مع العراق، فالعراق كان يدعي أن الكويت جزء منه بما في ذلك أيام الخلافة العثمانية، إلى أن قامت بريطانيا بفصله عن العراق واعتباره دولة مستقلة، ولأن العراق لم يتعامل بواقعية مع هذه الحقيقة المعترف بها دولياً حصل له ما حصل من مآسٍ وحروب لايزال يعيش آثارها حتى اليوم، وذلك عندما قام سنة 1990م باحتلال الكويت واعتباره المحافظة التاسعة عشرة حيث هب المجتمع الدولي لمناصرة الكويت وتحريرها بالقوة من العراق.

لقد تدخلت سوريا عسكرياً في لبنان سنة 1976م بطلب من الحكومة اللبنانية كما تقول وذلك بعد سنة واحدة من قيام الحرب الأهلية اللبنانية، وكان يفترض أن يكون لهذا التدخل مدة معينة، إلا أن سوريا استمرت بقواتها في لبنان حتى بعد إبرام اتفاق الطائف بين الزعماء اللبنانيين والذي ترتب عليه وقف الحرب الأهلية وانتخاب رئيس جديد للبنان، كما أن اتفاقية الطائف كانت تدعو إلى خروج القوات الأجنبية من لبنان والمقصود بذلك بالطبع القوات السورية، إلا أن سوريا رغم ذلك لم تسحب قواتها من لبنان ولو أنها فعلت ذلك بعد اتفاق الطائف لكان وضع لبنان أفضل؛ لأنه لم يعد هناك حاجة للقوات السورية بعد أن اتفق اللبنانيون على حل مشاكلهم، بل بالعكس فإن استمرار القوات السورية في لبنان بعد اتفاق الطائف أشعر اللبنانيين بعدم الاستقلال وأنهم تابعون لغيرهم، وهو ما أسفر عنه استمرار الاختلافات وتفشي الاغتيالات، كاغتيال الرئيس رينيه معوض، ورئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي، ومفتي لبنان حسن خالد، كما أسفر عن ذلك ظهور أحزاب وحركات جديدة كحركة أمل وحزب الله حيث اختلطت الأوراق من جديد في لبنان وعاد إلى دوامة عدم الاستقرار الذي توج باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري الذي حاول بعد اتفاق الطائف أن يبني لبنان من جديد ويوحده على أسس وطنية، ولكنه قتل ممن لا يريد للبنان أن ينعم بالعيش في ظل الاستقرار، ولكن كما يقال (رب ضارة نافعة) فقد أدت عملية الاغتيال الوحشية لرفيق الحريري إلى تدخل المجتمع الدولي في لبنان حيث تم إلزام سوريا بالخروج من لبنان وتم ذلك سنة 2005م أي بعد عملية اغتيال الحريري بفترة وجيزة، كما صدر قرار من مجلس الأمن الدولي حول ضرورة نزع سلاح حزب الله لكونه يتعارض مع مبدأ الدولة في لبنان، فالسلاح ينبغي أن يكون بيد المؤسسات الحكومية كالجيش وقوى الأمن وليس لدى الأحزاب.

إن انسحاب القوات السورية من لبنان يعد إنجازاً مهماً بالنسبة لاستقرار لبنان رغم ما حصل من أحداث بعد عملية الانسحاب تصب في خانة عدم الاستقرار، ومن ذلك حصول بعض الاغتيالات كاغتيال جبران ثويني وأنطوان غانم وانسحاب وزراء حزب الله وحركة أمل من الحكومة ونعتها بعد ذلك بالحكومة غير الشرعية وتعطيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية بعد انتهاء فترة رئاسة الرئيس السابق إميل لحود، وقيام حزب الله باجتياح بيروت، إلا أن بلادنا بتوجيه من الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله والجامعة العربية والمجتمع الدولي ظلوا يواصلون جهودهم للوصول إلى اتفاق بين اللبنانيين لانتخاب رئيس جديد للبنان، وينضوي في هذه الجهود قيام الدول العربية الفاعلة ومنها المملكة ومصر بخفض مستوى تمثليها في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في دمشق في مارس سنة 2008م في سبيل الضغط على سوريا لإعادة النظر في مواقفها من لبنان، ولقد أسفرت هذه الجهود من المملكة ومصر والجامعة العربية والمجتمع الدولي ممثلاً في الولايات المتحدة وفرنسا عن التوصل إلى اتفاق بين الزعماء اللبنانيين عند اجتماعهم في قطر مع اللجنة التي شكلت من الجامعة العربية على انتخاب (ميشيل سليمان) رئيساً للبنان، وما تبع ذلك من تشكيل حكومة وطنية برئاسة (فؤاد السنيورة) ثم الاجتماع الذي حصل في باريس على هامش مؤتمر الاتحاد المتوسطي بين الرئيس اللبناني والرئيس السوري (بشار الأسد)، ثم زيارة الرئيس اللبناني لدمشق والتي أسفرت عن اتفاق الطرفين على إقامة علاقات دبلوماسية وبحث مصير المفقودين وترسيم الحدود، وهي خطوات من دون شك تصب في الاتجاه الصحيح وتتطلب إتباع الأفعال بالأقوال فلبنان دولة مستقلة وعضو في الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة وهو ما يتطلب من سوريا حتمية التعامل قولاً وفعلاً مع هذه الحقيقة لكي ينعما بالأخوة والتعاون والاستقرار والاحترام المتبادل ومن ذلك ما يلي:

- احترام استقلالية لبنان كدولة ذات سيادة وعضو في المجتمع الدولي.

- عدم التدخل في شؤونه الداخلية.

- وقف التحالف مع بعض الفئات اللبنانية ضد الدولة أو فئات لبنانية أخرى.

- العمل على إنهاء المسائل العالقة ومن ذلك قضيتا المفقودين التي تشغل بال كثير من اللبنانيين، ومزارع شبعا التي تعيق عملية تحريرها وعملية ترسيم الحدود.

- الحيلولة دون دخول الأسلحة غير المشروعة للبنان عبر حدودها معه.

فاكس: 4032285



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد