Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/08/2008 G Issue 13114
الأحد 23 شعبان 1429   العدد  13114

دفق قلم
بدر أحمد البدر - رحمه الله -
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

هاتفني الابن طاهر وأخبرني باكياً بوفاة صديقه (بدر) حينها شعرت بخيمة الصمت تظلِّلني، وبالخبر المفاجئ يُلجمني، وبنار الحزن تلذع قلبي، لحظات من الصمت الصاخب بالألم، لم ألبث أنْ بدَّدته علي بقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بمقدار. ثم واسيت ابني بما يسَّر الله لي من الكلمات وانتهت المكالمة.

وبدأ شريط من الذكريات يمرُّ بذهني سريعاً، بدر - رحمه الله - شاب في الخامسة والعشرين من العمر، تزوج قبل شهر وبضعة أيام من وفاته، وبدأ بزواجه رحلة الحياة الجديدة في عشِّ الزوجية، مجدِّداً الأمل، مواصلاً العمل، ناظراً إلى المستقبل نظرة مشرقةً مفعمة بالرجاء. وكانت أخباره تصلني تباعاً عن طريق الابن طاهر صديقه الحميم، وكنت أسعد بما أسمع من أخبار صلاحه وتقواه وعلاقته القوية بربِّه، كما أسعد بما أسمع من أخبار حياته الزوجية الجديدة المستقرَّة.

صورة من صور الإقبال على الحياة الدنيا يرسمها الإنسان بآماله وأحلامه وسعيه في مناكبها، وغفلته عن هادم اللذات ومفرِّق الجماعات.

(بدر) شاب تقي - ولا نزكي على الله أحداً - لم تنقطع صلته بمجالس العلم، في مدينة الرياض العامرة بعشرات الدروس العلمية لعددٍ من العلماء والمشايخ، يتنقل بين مساجد عاصمتنا العريقة من مسجد الراجحي في الربوة إلى مسجد الملك خالد بأم الحمام، وإلى غيرهما من المساجد الحافلة بالدروس وظلَّ - رحمه الله - مثابرا على ذلك حتى توثَّقت علاقته بعدد من العلماء والأساتذة، وطلاب العلم، وقد ظهر أثر ذلك في شخصيته، وملامح وجهه، وسلوكه المستقيم، حتى أصبحت كلَّما رأيته أتذكر أحد السبعة الذي يظلِّهم الله في ظلِّه يوم لا ظل إلا ظله وهو (شاب نشأ في عبادة الله) كما أخبرنا رسولنا عليه الصلاة والسلام، أحسب هذا الشاب من ذلك الصنف الذي أشار إليه الحديث - ولا أزكي على الله أحداً - رحلة سريعة في هذه الحياة، أمضاها (بدر) ورحل، رحل رحيلاً مفاجئاً له ولكل من يعرفه حيث انطلق من الرياض فجراً متجهاً إلى الباحة ليحضر زواج ابن خاله، انطلق وحيداً بعد صلاة الفجر، حاول أن يستصحب معه صديقه الابن طاهر، ولكنَّ انشغاله حال دون ذلك، بدأت لحظات الرحيل تقترب، وبدأ معنى قوله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} يبرز في الأفق الفسيح، وكانت اللحظة الحاسمة التي اصطدمت فيها سيارة بدرٍ بشاحنة كبيرة من الخلف، وكانت النهاية.

هل غالبه النوم، حينما حانت لحظة القضاء المحتوم؟، هذا ما يبدو لأن حقيقة ما حدث قد ماتت مع بدرٍ رحمه الله.

هكذا أيها الأحبة تمضي الحياة، فيا بشرى لمن كان مستعداً بالعمل الصالح والخلق الكريم، والاتصال بالله رب العالمين.

اللهم ارحم عبدك بدراً وجميع موتى المسلمين، وأحسن عزاء أبويه وأهله إنك سميع مجيب.

إشارة:

يقول الابن طاهر:

تهيم المعاني في ثنائك والشعر

وتبكي حروفي حين ذكراك يا بَدْرُ

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد