Al Jazirah NewsPaper Saturday  30/08/2008 G Issue 13120
السبت 29 شعبان 1429   العدد  13120
يارا
إنها الحياة يا بني
عبد الله بن بخيت

اليوم هو اليوم ماقبل الأخير من شهر أغسطس. في هذا اليوم من كل عام تكون إجازتي السنوية انتهت وعدت إلى العمل. لم يسألني أحد لماذا لم تأخذ إجازتك حتى الآن. يبدو أن لا أحد يهتم. كتبت أو لم أكتب. غبت أو بقيت. الشيء الأكيد لوغبت وطولت الغيبة لنسيني الناس. أعرف أصدقاء لي غابوا عن الكتابة فخرجوا سريعا من الذاكرة وفقدوا حساسية الكتابة. عاهدت نفسي ألا أغيب طويلاً ولكن إلى متى؟ يظن بعض الكتاب أن الكتابة أفضل نشاط يمارسه الإنسان. يستطيع الكاتب أن يكتب حتى آخر يوم في حياته. يختلف عن اللاعب أو المهني كالطيار أو الطبيب. العمر يلعب دورا معاكسا. كلما كبر الكاتب كلما ازداد نضجا وحكمة. كنت أظن ذلك. بتأمل عميق تبين لي أن الأمر خلاف ذلك. للكاتب عمر افتراضي. الكاتب يعيش على الاهتمامات والذوق المشترك. يأتي اليوم الذي تتجاوزه الاهتمامات والقضايا وحتى الإيمانات والمواقف ويصبح ذوقه من الماضي. إذا بقي يكتب في الجريدة فالأمر في أغلبه يعود للمجاملة والتعاطف. يذكرني هؤلاء برواية (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه لغارسيا ماركيز) تحس أنهم يعيشون في غربة. الله لا يجيب الساعة التي أشوف نفسي فيها ملقى في ركن بائس من الجريدة مستفيدا من تعاطف رئيس التحرير الطيب أو مجاملته أو حيائه. أسوأ شيء أن تجد نفسك في مجلس لا ينتبه لك أحد فيه.

ليس من الحكمة أن أتذكر المستقبل. سأدع الحزن للزمن الذي سينضج فيه. لم آخذ إجازة من الكتابة لأني في إجازة طويلة تمتد ما امتدت إجازة المدارس. مدينة مونتريال تختلف كثيرا عن مدينة فانكوفر التي قضيت فيها إجازة العام الماضي. وصلت إلى مونتريال قبل أسبوعين. سأبقى فيها حتى منتصف شهر سبتمبر ثم انتقل بعد ذلك إلى تورنتو التي لا تبعد كثيراً عن شلالات نياجرا. أعظم مشهد طبيعي خلقه الله على الأرض. المشهد ملهم. لا تستغربوا إذا تحولت إلى شاعر أو شاهدتموني فجأة في إحدى القنوات أعزف على قيتار ولكني أفكر أن أبدأكم بالتدريج أولا ربابة ثم سمسمية ثم بوص حتى أصل إلى القيتار. عندها أترك الكتابة وأصبح عازفاً في فرقة بريتني سبيرز. من سيطاله الحزن وهو يقف يوميا خلف بريتني سبيرز. لن أضيع وقتي في التفكير في بريتني حتى يأتي وقتها وأكتفي بالتفكير في هذه المدينة الكوزموبولوتينية (متعددة الثقافات والأعراق). مونتريال ليست جميلة بمقياس فانكوفر ولكنها ثرية ومزدحمة بالحضور الإنساني. بعد يومين أو ثلاثة ستشعر أنك جزء من هذه المدينة. لا تطلب منك أن تتغير أو تتكيف أو أن تكون غير نفسك. ذراعها الحضاري سوف يضمك في أحضانه دون تنازلات منك أو منها.

جلست يوم أمس مع رجل عجوز من أصل دنمركي. هاجر إلى كندا قبل أكثر من أربعين سنة. لخص لي الحياة في كندا في نصيحة وجهها له والده القروي عندما عرف بأن ابنه عازم على الهجرة. قال له: يا بني ستشاهد أشياء كثيرة غريبة ومختلفة عما آمنت به أو تعودت عليه لا تظن بأنها أخطاء إنها الحياة.

فاكس 014565576


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد