Al Jazirah NewsPaper Saturday  30/08/2008 G Issue 13120
السبت 29 شعبان 1429   العدد  13120
القضاء بين الحدود والتعزير
د. عبدالله بن سعد العبيد

لطالما أردت الحديث عن القضاء بالمملكة من باب أنني ممن يزعمون ضرورة توافر حرية الرأي بل وإعطاء العقل الإنساني حرية أكبر وأوسع للتفكير والتدبر وممارسة التحليل المنطقي للأمور دون المساس بثوابت الأمور التي لا يختلف عليها اثنان. لقد دأبت على محاولة البحث والتقصي

منذ فتره عن القضاء بالمملكة التي تطبق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة، أقول راجعت الكثير من الكتب والمقالات التي تشير من بعيد أو من قريب عن القضاء ومايلحقه من أنظمة تحكمه ونسق فكري يحركه والحرية التي يتمتع بها القاضي وأدواته وميزاته وقدراته.

لم يكن ذلك بدافع البحث عن ما يمكن أن ينتقد بقدر محاولة عابرة تطفلية فضولية على أهم جهاز يناط به إقامة العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه دون خلل أو قصور.

لقد كان أهم ما أثار فكري وقلمي هو الأحكام التعزيرية التي تصدر عن القضاة وسيكون لها نصيب في هذا المقال، لكن دعوني بدايةً أن أعلق قليلاً عن آخر الكتب التي قرأتها بهذا الخصوص والذي لم يشار فيه إطلاقاً إلى تاريخ طباعته وهو الصادر من جهة رسمية كوزارة الداخلية الإدارة العامة للحقوق واسمه (مجموعة الأنظمة العدلية السعودية وترجمتها واللوائح التنفيذية) وأول ما أثارني هو صدور كتاب كهذا من وزارة الداخلية وليس من الجهة المعنية وهي وزارة العدل لاسيما أن معظم ماورد فيه كان يستدل من خلاله على نصوص وقرارات صدرت عن وزارة العدل، المهم أن الكتاب جيد ويقوم بشرح العديد من النقاط التي ينبغي للجميع معرفتها على أن مايؤخذ عليه هو أن بداية الكتاب قد حققت المضمون الذي إحتواه عنوانه وهو ترجمة الأنظمة العدلية السعودية إلا أن الكتاب سرعان ما أخذ يسوق أمثله صادره عن وزارة العدل دونما ترجمة.

ورد في المادة (53) أن التعيين والترقية في درجات السلك القضائي تتم بأمر ملكي بناء على على قرار من مجلس القضاء الأعلى يوضح فيه توفر الشروط النظامية في كل حاله على حده ويراعي المجلس في الترقية ترتيب الأقدمية المطلقة، وعند التساوي يقدم الأكفاء بموجب تقارير الكفاءة وعند التساوي أو إنعدام تقارير الكفاءة يقدم الأكبر سناً ولايجوز أن يرقى عضو السلك القضائي من درجة رئيس محكمة (ب) فما دون إلا إذا كان قد جرى التفتيش عليه مرتين على الأقل في الدرجة المراد الترقية منها وثبت في التقريرين الأخيرين السابقين على الترقية أن درجة كفاءته لا تقل عن المتوسط. هذا تقريباً نص المادة سابقة الذكر، وهنا أود أن أعلم تماماً ماهي معايير الكفاءة التي بموجبها يتم الإحتكام في حالة تساوي الأقدمية ثم هل للأقدمية المطلقة مبرراً للقاضي أن تتم ترقيته ثم إن تساوى الجميع في كلا الحالتين أو لاحظوا إنعدام تقارير الكفاءة يقدم الأكبر سناً، كيف يتم الإحتكام إلى تقارير الكفاءة ثم يتم إنعدامها ومن ثم يقدم الأكبر سناً حتى لو لم يمر على تقرير الكفاءة المذكور.

ومادام الحديث عن الكفاءة فقد ورد في المادة (63) في الفصل الرابع أن هناك إدارة للتفتيش القضائي بوزارة العدل تتولى التفتيش على أعمال قضاة المحاكم العامة والمحاكم الجزئية وذلك لجمع البيانات التي تؤدي إلى معرفة درجة كفايتهم ومدى حرصهم على أداء واجبات وظيفتهم وإمداد الجهات المختصة بهذه المعلومات والتحقيق في الشكاوي التي تقدم من القضاة أو ضدهم، ويجب أن يقوم بالتفتيش عضو بدرجة أعلى من درجة المفتش عليه، أو سابق له في الأقدمية إن كانا في درجة واحدة. وأنا هنا لست ضد الأقدمية في الترقيات أو بقيام التفتيش من قبل شخص أقدم من الآخر لكن ما أنا أتسأل عنه هو ماهي تلك المعايير التي بموجبها يتم التفتيش، هل تم وضع نقاط معينه يتم السؤال عنها وجمع نقاط معينه بناء على التقييم أم أن النتيجة غالباً ما تكون ممتاز أو غير ممتاز، يستحق أو لا يستحق، أوليس هذا فيه إجحاف بحق القاضي كما فيه من مجاملة للقاضي الآخر.

ثم الأدهى من ماسبق وماورد في ذات الكتاب وفي فصل تأديب القضاة في المادة (82) والتي تنص على أن العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على القاضي هي اللوم والإحالة على التقاعد. عادةً ما يوجه اللوم للقاضي أو إحالته للتقاعد عندما يكون مخطئاً وخطأ القاضي ليس كخطأ الموظف العادي فالقاضي يفصل في قضايا متخاصمين وخطأه قد يعطي الحق لغير صاحبه. ثم يلزم تنفيذ تلك العقوبة المؤثرة جداً بموجب أمر ملكي كما جاء في المادة التي تليها حينما تبلغ قرارات مجلس التأديب إلى وزارة العدل ويصدر أمر ملكي بتنفيذ عقوبة الإحالة على التقاعد وقرار من وزير العدل بتنفيذ عقوبة اللوم. يصدر أمر ملكي بناءً على توصية من مجلس التأديب تصوروا الأمر يصل إلى أعلى سلطه في البلد لتنفيذ حكم مجلس التأديب في إحالة موظف بالقضاء إلى الإحالة ثم يقوم مسئول برتبة وزير بتنفيذ عقوبة اللوم.

للحق أنا لم أقرأ الكتاب لأقوم بنقد بنوده وماورد فيه ولكن كان لغرض البحث عن شرح موسع للأحكام التعزيرية وضوابطها ومعاييرها.

يواجه المحامون حقيقةً من جهة، ومرتكبي الجنح والجرائم من جهة أخرى رهبة غير عادية عند نطق القاضي بالحكم إذ أن لكل قاضي وجهة نظر فيما يصدره من قرارت تعزيرية بحسب مايراه هو مناسباً للقضية ومادام الأمر مفتوحاً دونما تقنين فقد تختلف الأحكام باختلاف الحالة المزاجية للقاضي فضلاً عن النواحي الفسيولوجية والسيكولوجية للقاضي الأمر الذي لا يستطيع القاضي السيطرة عليها باعتبار أنه بشر قد يخطئ وقد يصيب.

هناك تفاوت كبير جداً في الأحكام التعزيرية بين القضاة لذات الجرم أو الجنحة ممايحدث تلك الرهبة التي ذكرتها قبل قليل فقد سمعنا عن تفاوت كبير في عقوبة سارقي السيارات مثلاً فقد يحكم قاضي بسجن السارق ثلاث سنوات وجلده 1500 جلده فيما يحكم غيره بسجنه سنتين دون جلد وهناك من حكم بثماني سنوات وأخر سجن سنة ونصف وغيرها كثير من الأحكام التي لايربطها نسق واحد ومعيار واحد، بل لنا في أمثله أخرى الكثير مما نستشهد به كالحكم الصادر في حق من تحرشوا بفتيات في نفق حي النهضة بالرياض ومن قام باغتصاب فتاة في القطيف أو الإحساء. حتى تم بين الشباب تداول مقولة أن اغتصاب البنت أسهل من التحرش بها.

نحن نؤمن بأن ديننا الحنيف صالح لكل زمان ومكان لكن هناك من الجرائم والجنح ماهو حديث ويحتاج إلى وقفه في بحث مسبباته وبحث عدم تكراره والقضاء عليه وربما تدخل العقوبات كجزء لعلاج تلك الحالات وضمان عدم تكرارها فضلاً عن ضرورة تناسب العقوبة التعزيرية مع الفعل المرتكب ولن يحدث ذلك إلا من خلال وضع قانون مقنن وواضح للعقوبات التعزيرية التي لايفترض إطلاقاً تفويض الأمر فيها لإنسان معرض لاختلاف مزاجه بين ساعة وأخرى.

ثم أن تقنين الأحكام التعزيرية فيه مايؤدي إلى استقرار المجتمع وبالتالي دعم النظام العام الأمني والسياسي في البلد بحيث يعرف المواطن المرتكب للجنحة أو الجريمة العقوبة التي تنتظره والتي ربما لا تكون في سجنه وجلده بل في خدمة مجتمعه أو في خدمة الجمعيات الخيرية أو تحفيظه أجزاء من القرآن الكريم مما يوفر على الدولة الكثير من المصروفات فيما لو تم زجه بالسجن وجلده.

والله من وراء القصد،،،



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد