اطلعت باهتمام زائد على التحقيق الذي أعده بندر الرشودي في عدد الجزيرة 13104 بتاريخ 13-8- 1429هـ.حول (آثار البركان التاريخي الخامد بالمدينة المنورة). كما اطلعت على مقالة د. عبد الحفيظ محمد أمين (قراءات جديدة لثوران بركان المدينة المنورة التاريخي) في عدد الجزيرة 13107 بتاريخ 16-8-1429هـ. وتعقيباً أقدم مداخلتي هذه حيزاً في صحيفتنا السعودية الأولى (الجزيرة) إثراء للمعرفة في جانب غاية في الأهمية والحيوية في بلادنا الغالية:
أولاً: أسجل للجزيرة سبقا يليق بمكانتها ورصانتها بين الصحافة السعودية، وإقدامها على نشر الحقائق، في الوقت الذي تحجم فيه بعض صحفنا عن نشر مثل هذه المعلومات تحت ذريعة (عدم ترويع الناس وإخافتهم) وكأن إبقاء الحقائق مخفية عنهم فيها ضمان لرد ما قدره الله! أقول هذا من واقع نتائج مداولات اشتركت فيها في لجنة، قبل خمس سنوات تقريبا، لوضع تصور حول أفضل الوسائل (لتوعية الناس بالأخطار البيئية من سيول جارفة، وزلازل وبراكين محتملة في الجزيرة العربية). فقد لمست حينها مقدار التحفظ الشديد من قبل بعض أعضاء اللجنة حول مجرد اختيار عبارات قد يفهم منها أن بلادنا الحبية يمكن أن تتعرض مثلها مثل أي جزء آخر من الأرض مشابه لها في توضعاتها المناخية والجيولوجية. في الوقت الذي كانت بعض النشاطات والفعاليات تجري في أوديتنا من سيول جارفة، وفي مناطق النشاط الحركي لقشرة الجزيرة العربية تفاجأ بها الناس حيث كانوا يعتقدون أن بلادنا محمية من مثلها؟
ثانياً: أشير إلى ما ذكر من تفصيلات في تحقيق بندر الرشودي عن آخر ثورة بركانية لبراكين المدية المنورة والتي سجل (أبو شامة) مؤرخ القرن السابع الهجري، الشهير، تفصيلات عنها، وردة فعل سكان المدينة النبوية، صلى الله عليه وسلم على صاحبها، بل وما تناقلته الركبان عنها فقد روي أنه (كتب في تيماء علي الضوء المنبعث من ثورة ذلك البركان في المدينة المنورة في ذلك التاريخ).
أقول لقد سررت وتعلمت جديداً من إضافات بعثة (معلمي علوم الأرض) وترجمة ما كتبه أبو شامة إلي أرقام وتحركات واتجاهات (اللافا) اللابا والرماد البركاني. ولاشك بأن توقيعات (البروفسور جون روبل), المشرف العلمي علي الرحلة، كانت واضحة. والمؤمل أن لا تظل نتائج تلك البعثة محدودة بالتحقيق الذي نسقه الأستاذ الرشودي. بل أن تعمل الجهة التي نظمتها (النادي العلمي السعودي) علي نشر تقرير مفصل سهل الوصول إليه كي تعم الفائدة.
ثالثا: لفت انتباهي تركيز التقرير، ومقالة الدكتور عبد الحفيظ أمين علي ثورة براكين حرة رهط عام 654هـ. والتي أرخ لها أبو شامة، وكأنها الحدث الوحيد المسجل تاريخيا عن البركنة في منطقة المدينة المنورة. وأنا أشير هنا إلي ثورة بركانية أخري حدثت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووصل فيها سيل الصخور المنصهرة (اللابا Lava) إلي قلب المدينة المنورة، بل أن مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم قد احترق بسبب الحمم التي وصلته، وقد كان مبنيا بسعف النخيل. وقد سجل التاريخ القسم الشهير لابن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: (والله لا أساكنكم فيها لو عادت (, يقصد الحمم البركانية. كما تشير الروايات إلى أن هذه الثورة البركانية كانت في شرق المدينة عند وادي الصويدرة (50 كلم شرق المدينة علي طريق القصيم القديم). وتشير الروايات أن واحدا من الناس، جاء يستأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذهاب وتفقد أهله في منطقة الوادي المذكور: فحثه ابن الخطاب للإسراع فلعله لايجد أهله أحياء !؟ لكنه عاد بعد فترة وأخبر عجبا عن (تلك النار التي خرجت (فوصفها بأنها حمراء مثل الجمر وأنها تتحرك مثل العجينة، وان لها وهجا، ويشعر الناظر إليها بحرارة تنبعث منها، لكنه أمكن الاقتراب منها، ونخسها أحد الموجودين بغصن فاشتعلت النار في الغصن.
رابعا: هناك تقرير نشر منذ مدة (حوالي عشر سنوات) بعنوان (بركان المدينة الذي طال انتظاره The long waited volcano of Medina). وهو تقرير كان يتوقع نشاطا بركانيا في منطقة المدينة المنورة منذ حوالي 35 سنة مضت، وهو نشاط يبدو قد فات أوانه... ولكن الله سلم. وإني أسترجع ما حدث في رمضان وشوال من العام الماضي (1428هـ.) من تحركات في القشرة الأرضية شمال غرب المدينة المنورة، أخافت السكان القريبين الذين شعروا بها. وبعثت الشك في نفوس المتخصصين، هل آن أو أن بركان المدينة الذي طال انتظاره ؟ بل ربما أن قدرة الله جل وعلا قد جعلت تنفيس الاحتقان في باطن ارض المنطقة هو خروج الحمم البركانية في جزيرة جبل الطير عند مدخل باب المندب جنوب البحر الأحمر. فالمنطقة متداخلة وكلها مرتبطة بتوسع البحر الأحمر. والله أعلم.
خامساً: تشهد المدينة المنورة حركة عمرانية نشطة، شأنها شأن غيرها من مناطق المملكة، وقد ظهرت كثير من المخططات في منطقة الحرة (الشرقية والغربية). وهنا يجب التنويه بالمخاطر المحتملة. فالنظرية الجيومورفلوجية تقول (إن ما حدث على الأرض يمكن تكرار حدوثه، ولو مع اختلاف في الحدة والشدة). (والبعرة تدل على البعير) كما يقال في الأمثال؛ فما هذه الحجارة السوداء التي تغطي سطح الحرة سوى الصخور التي كانت منصهرة في الأحداث التاريخية القريبة منها والبعيدة.
وربما تكون لي عودة بمقالة مفصلة عن (الزلازل والبراكين وموقع الجزيرة العربية منها) في مستقبل قريب.
حسن بن علي خياط,جيومورفولوجي،جامعة أم القرى، مكة المكرمة
ahahabdali@yahoo.com