Al Jazirah NewsPaper Friday  05/09/2008 G Issue 13126
الجمعة 05 رمضان 1429   العدد  13126
أحداث 11 سبتمبر هل تسير بأوباما إلى البيت الأبيض؟!
الدكتور أنور بن ماجد عشقي

لو لم تكن أحداث 11 سبتمبر، لما حقق باراك أوباما هذا الفوز، ولما نال تأييد الحزب الديمقراطي حتى أخذ يطرق أبواب البيت الأبيض بواشنطن، فأحداث 11 سبتمبر تعتبر في حكم الكوارث التي أصابت قلب الولايات المتحدة الأمريكية. فالكوارث والأزمات لها عند الشعوب المتقدمة معانٍ تختلف

عن غيرها من شعوب العالم الثالث، فالأزمات التي تتعرض لها الولايات المتحدة تعتبر عاملاً من عوامل التغيير لأنها تحرك المياه الراكدة، فلو لم توجد فإن واشنطن سوف تصنعها أو حتى تتسبب فيها، وهذا ما دعا بعض المحليين إلى التشكيك بأن الاستخبارات الأمريكية قد تكون هي التي افتعلت أحداث 11 سبتمبر أو على الأقل دفعت إليها.

فلو نظرنا إلى احتلال الكويت لوجدنا أن السفيرة الأمريكية في العراق (ايريل جلاسي) تركت الباب موارباً أمام صدام حسين عندما رأته عازماً على التقدم نحو الحدود الكويتية، فتحقق من وراء ذلك، المبرر لإنهاء النظام السياسي في العراق، وشرعية التدخل في الخليج، ونشر القواعد العسكرية في المنطقة، وتغيير وجهة نظر الدول الأوروبية التي كانت تدعو إلى إنهاء الحلف الأطلسي، بل وتحفيزها بعد أن رأت أنها عاجزة عن حماية مصالحها في المنطقة، ولم تتمكن من المساهمة في حرب الخليج إلا بمقدار 10% من القوات المشتركة كل ذلك دعاها إلى المطالبة بتوسيع دائرة حلف الأطلسي ليصل إلى حدود روسيا الاتحادية وتمكين الأسطول الأمريكي من التجول في البحر الأسود، وبحر البلطيق، واستفزاز الرئيس الروسي بوتن الذي استطاع أن يلتف على النظام الديمقراطي، ليظل ممسكاً بزمام السلطة في روسيا.

أما دول العالم الثالث فإن الكوارث تعيدها إلى الخلف، ولا تدفع بها إلى الأمام، لأنها لا تعرف معنى إدارة الأزمات بمفهومه الواسع، وإذا عرفت ذلك فإنها لن تتمكن من تطبيقه.

إن أحداث 11 سبتمبر استطاعت أن تحدث تغييراً شاملاً في الولايات المتحدة الأمريكية، فالأقليات التي كانت تهدد مستقبل الولايات المتحدة تحولت من عوامل هدم، لتصبح اليوم بعد 11 سبتمبر عناصر قوة، والقطاع الاقتصادي الذي بات يعاني من الركود، والاهتراء في أنظمته الإدارية استعاد قوته، وأحدث مفهومات جديدة.

فحالما انفجرت أحداث 11 سبتمبر توقفت معظم بيوت المال والاقتصاد في أمريكا التي جعلت من برجي التجارة مقراً رئاسياً لها لساعات وأيام، لكن ميريلانش هي الوحيدة التي لم تتوقف، واكتشفت الدوائر الأخرى أن مريلانش قد احتاطت للكوارث بأن ابتكرت موقعاً تبادلياً للأقسام المهمة بعيداً عن مركز الرئاسة، يعمل بمجرد توقف الحركة في المقر الرئيس، فكان من نتائجه أن بادرت الشركات والمؤسسات الحكومية في الولايات المتحدة، إلى اعتماد هذا الحل وتطويره لضمان استمرارية التشغيل، وأطلق عليه نظام احتواء الكوارث (desaster recovery).

وكان من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي أخذت بهذا النظام المملكة العربية السعودية، حينما بادرت الاتصالات السعودية لاعتماده، نتيجة لتوقيع العقد مع موبايلي يومها اجتمع المهندس خالد الملحم بالمسؤولين في الإدارة العليا في هيئة الاتصالات، وبين لهم الموقف، وشخص لهم الحالة ثم قال لهم متخذاً قراره الإستراتيجي إن موبايلي سوف تكون منافساً شرساً لشركة الاتصالات السعودية، وعلينا أن نبحث عن حل ما يميزنا عنهم، وقد وجدنا أن الحل الأمثل هو المبادرة بالأخذ بسياسة احتواء الكوارث، وأن نبادر إلى تهيئة المراكز التبادلية إلكترونياً للمؤسسات الأهلية والحكومية، ودرست الشركة المشروع، وأعدت له المواقع المناسبة، لكنه لم يفعل بعد، بسبب انتقال المهندس الملحم، لكن مؤسسة النقد فرضته على البنوك السعودية ضماناً لجودة الخدمة.

لقد انتهزت الإدارة الأمريكية الفرصة حالما حدثت كارثة 11 سبتمبر، فأشعرت الشعب الأمريكي بأنه المستهدف من هذا العمل الإرهابي، وأن السبيل الأمثل هو الوحدة الوطنية، وإزالة الفوارق بين الأقليات وفئات الشعب.

ففي اليوم الأول وزعت الإدارة الأمريكية الأعلام على الشعب وبلغ عددها 60 مليون علم في يوم واحد، عندها أيد الشعب الأمريكي الهجوم على أفغانستان والعراق لتصبح الأعمال الإرهابية بعيداً عن حدوده، ولم تحدث بعدها أي عملية إرهابية واحدة في الداخل.

لقد كان من أهم نتائج هذه الكارثة أن تقبل الشعب الأمريكي أن رئيساً مرشحاً من أصول إفريقية وإسلامية، واستطاع السيناتور باراك أوباما أن يعمل بمهارة، وأن يجعل من الوحدة الوطنية شعاراً لحملته الانتخابية.

لقد ساهم الإعلام الأمريكي في إعداد الشعب لتقبل ذوي الأصول الإفريقية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فظهرت عدة أفلام سينمائية تظهر كيف استطاع الرئيس الأمريكي من أصول إفريقية أن يتعامل مع الكوارث، وينقذ الشعب الأمريكي من تبعاتها حتى أن أحد الأفلام حمل اسم الكارثة، وكأن وسائل الإعلام قد أتاحت الفرصة لنجاح أوباما في مبايعة الحزب الديمقراطي له.

إن قوة الشعوب تكمن في قدرتها على التغيير، ومن أهم مظاهر التغيير هي الخروج على القواعد والمقاييس الثابتة، والتفكير المعمول به تاريخياً، لهذا نجد أن الإسلام أسس على عاملين، الثابت والمتغير، فالثابت هو ما جاء بالنص من أسس وقواعد دينية خاصة، وهو ما يتعلق بالعبادات، فلا يمكن للتغير أن يمس الأيام المعدودات في الحج، ولا التوقيت للصلوات، ولا حتى أعداد الركعات، أما ما يتعلق بعمارة الأرض مثل الأمور الحياتية والتنظيمية، فقد حض الإسلام فيها على التغيير.

إن لإستراتيجية التغيير أعداء هم الذين يقاومون ويماطلون ويتباطئون في التنفيذ، وغالباً ما تأتي هذه المقاومة من الكفاءات المتدنية التي لم تتمكن من استيعاب التغيير أو أصيبت بعدم الثقة، فترددت في الأخذ به.

إن أهم عملية من عمليات التغيير التاريخية هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من دعوة إلى التوحيد، فكان أول من وقف في وجه الدعوة وحاربها هم دعاة مقاومة التغيير.

فقد عاشت مكة المكرمة قرناً ونصفاً من الزمان تملك السيادة التجارية والدينية والثقافية في الجزيرة العربية.

فحصلت على السيادة التجارية من القوافل التي كانت سيرتها بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب بعد أن عقد هاشم بن عبد مناف سيد قريش اتفاقات الإيلاف التجارية مع كل من الفرس والروم والأحباش والقبائل العربية فأمن بذلك طرق التجارة.

وحصلت مكة على السيادة الدينية بسبب الأصنام التي جلبتها القبائل حول الكعبة حتى بلغت 360 صنماً يفد إليها الحجاج، يقدمون لها النذر والقرابين.

كما نالت قريش السيادة الثقافية من خلال الأسواق التي أنشأتها من حولها مثل سوق عكاظ، وذي المجنة، والمجاز، التي كانت عبارة عن مهرجانات تجارية وثقافية، فلا تلقى فيها القصائد إلا بلغة قريش.

ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته طرح عليهم هدفه الإستراتيجي قائلاً لهم: كلمة تحكمون بها العرب، وتسودون بها العجم، فقال له أبو لهب عشر وأبيك، فقال صلى الله عليه وسلم لهم (لا إله إلا الله) عندها أجابوه قائلين: والله لا نطبق ذلك.

لقد قاوم الكفار التغيير عندما اعتقدوا أنهم إذا قالوا لا إله إلا الله لن يأتيهم العرب، لأنه لن تكون لهم أصنام، فكانت أقوى ما عرف التاريخ من مقاومة للتغيير، ولما انتصر عليه الصلاة والسلام، وحكمت قريش، وساد العرب العجم أدرك الجميع أن التغيير واجب، وأن مقاومة التغيير هي التخلف بعينه، وهي المعاول التي تهدم دعامات التقدم، وهذا هو الفارق الكبير بين الثورة والتغيير، فالثورة هياج واضطراب، والتغيير شجاعة وثبات.

والله الموفق



email-eshki@doctor.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد