Al Jazirah NewsPaper Friday  05/09/2008 G Issue 13126
الجمعة 05 رمضان 1429   العدد  13126

فجر قريب
لعبة الإسقاطات
د.خالد بن صالح المنيف

 

هبَّ حافظ نحو أمه صارخاً: أمي.. أمي لقد كسرت عبير النافذة!

تساءلت الأم: وكيف حدث هذا يا حافظ؟

رد حافظ: لقد ألقيت عليها حجراً كبيراً يا أمي ولكنها انحنت وتجنبته فأصاب النافذة!!!

وذات يوم اتصلت علي زوجة تشتكي خرس زوجها المنزلي وكيف أنه يستحيل إلى صنم داخل بيته لا يبدي رأياً ولا يشارك في حديث، وبعد دقائق من حديثي معها عذرت زوجها!

يعلق الشاعر والفيلسوف الأمريكي الشهير رالف إيمرسون على أمثال حافظ وتلك الزوجة -وما أكثرهم للأسف- بقوله:

(سوف ترتقون دائماً في حياتكم بمقدار المسؤولية التي تكونون مستعدين لتحملها!)

وأقول نعم إن أصحاب العقول الصغيرة والمنجزات الحقيرة هم الذين يكثرون من التنصل والتهرب من المسؤولية أكثر من فعل ما يجب فعله!!

* ليس خطئي

* لم أكن اقصد فعل هذا

* زوجتي لا تحترمني

* الاختبار صعب

مسلسل طويل من الأعذار وجملة من الأقنعة الواهية للهروب وجعل الآخرين كبش فداء!

أعمارٌ تضيع في تقمص مشين لدور الضحية ولبس مسوح الشهيد الحي، ومآل هذا فشل ذريع وعلاقات سيئة ونفسية مرتبكة مهزوزة.

إن من أيسر الأشياء وأقلها كلفة وأقربها للراحة هي أن نلوم الظروف والأحداث ونحمل الآخرين مسؤولية إخفاقنا وأن نكيل التهم للجميع فالكل متواطئ على الإضرار بنا والجميع يتآمر علينا!

ونظن -متوهمين- أن ذلك الطريق الأيسر لاستخراج صك البراءة من الإخفاق وضعف الإنجاز!

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

وفي استقراء للتاريخ نجد أن لعبة الإسقاط من الألعاب المفضلة عند المنافقين فكانت التبريرات السخيفة طبعاً وديدناً لهم، ومن ذلك قولهم: (ائذن لي ولا تفتني)، (لا تنفروا في الحر)، (شغلتنا أموالنا وأهلونا)، (نخشى أن تصيبنا دائرة)، (بيوتنا عورة)، حيل مريضة تذرعوا بها هروباً من القيام بواجب الجهاد، وفي المقابل يكفي أن نلاحظ تاريخ الأبطال ونتتبع سيرة العظماء فعندها سنجد أن تلك العطاءات والمنجزات العظيمة لم تكن مصادفة ولا ضربة لازب، بل كانت نتيجة اختيار صريح للحياة وشجاعة بالغة في تحمل المسؤولية. فهذا أبونا آدم وزوجه يعترفان بالذنب بقولهما: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا)، وموسى عليه السلام اعترف بخطئه عندما قتل الإسرائيلي بقوله: (رب إني ظلمت نفسي)، وحبيبنا محمد عوتب في القرآن وذلك لمبالغته -اللهم صلي وسلم عليه- في تحميل نفسه المسؤولية ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات).

إن هؤلاء المتدثرين خلف ستائر الأعذار والتبريرات السقيمة والذين هووا بمعاول الإسقاط على نعمة الاختيار سيأتي يوم قريب وتتمزق فيه تلك الستائر البالية المتهرئة وسينكشفون وعندها لن يجدوا أعذارا تستر سوءة عقولهم!

يقول برايان تريسي: إن من علامات الناجحين وسماتهم الجميلة الاعتراف بالمسؤولية وعدم الإنكار أو اللجوء لاختلاق الأعذار أو إدمان الشكوى فهم يطرحون كل هذا ويستبدلونه بشعار أنا المسؤول.

ولو سألتني عن كبسولة النجاح الأولى لما ترددت في الإجابة بأنها تتمثل في تحمل المسؤولية في الحياة! وهذا لا يكون بنسبة 80% ولا حتى 99% بل بنسبة 100% كاملة عن كل شي عن الوزن الزائد عن العلاقات المتوترة عن الوضع المادي المتردي عن باختصار نحن من أوصل الأوضاع إلى ما هي عليه!.

خطوات عملية

1- أعد شريط الذكريات وتأمل في ثمرة الشكوى ومخرجات إلقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم مسؤولية إخفاقك (نتائج مخزية).

2- اسأل نفسك ما هو المستقبل المنتظر متى ما بقيت على هذا الأسلوب (السقيم) في التفكير؟.

3- حدد أكبر ثلاث شكاوى لك من زوجتك عملك وزنك أصدقائك وغيرها ثم اسأل نفسك ماذا يمكنني أن أعمل لحل المشكلة أو التخفيف من حدتها؟.

4- ارصد بدقة كلماتك اليوم وأحص عدد المرات التي تستخدم فيها لغة الانهزام والتراجع من قبيل (هو السبب, زوجتي لا تحترمني, أولادي أشقياء, مديري لا يقدرني)، ومن ثم حاول السيطرة عليها فالعقل يصدق ما يقوله اللسان.

ومضة قلم:

ما يرهقك ليس الجبل الذي تحاول تسلقه ولكنها حبة الرمل الموجودة داخل حذائك.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244

khalids225@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد