Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/09/2008 G Issue 13127
السبت 06 رمضان 1429   العدد  13127
حديث الأسبوع
من ذاكرتي الرمضانية
د. محمد غياث التركماني

ما زلت أذكر تلك الرحلة اليومية التي كنت أجول فيها بمطبخ والدتي قبل الإفطار بعشر دقائق في أيام شهر رمضان المبارك.. كان القصد أن أشم رائحة الطعام محاولاً أن أتعرف على أنواع الأطعمة التي ستقدمها لنا الوالدة -أطال الله في عمرها- على مائدة الإفطار ذلك اليوم.. وحتى إذا ما فشلت حاسة الشم عندي في سبر نوع الأطعمة رحت أفتح أغطية القدور لأطمئن أن الطعام اليوم مناسب لرغباتي.. فأرمقه بنظرة حادة ثم أدعك أسناني بأسناني وكلي أمل أن يكون وقت الإفطار أقرب عندي من أي شيء آخر.. ولم تكن عملية فتح الأغطية عن القدور بتلك السهولة المعروفة فكانت أصابعي تتألم من شدة الحرارة وكثيراً ما ينتهي الأمر بحروق صغيرة وفقاعات على تلك الأصابع.. ومع هذا فإن تلك الفقاعات والحروق المتكررة لم تقف يوماً رادعاً في كبح جماح غزواتي اليومية على مطبخ والدتي.

ثم أرتد مبتعداً عن المطبخ بخطى بطيئة جداً جداً، وكثيراً ما كان ابتعادي عن المطبخ يرافقه استنكار شديد لما شاهدت أو تحسست فالطعام لم يشبع بعد رغباتي ونزواتي.. فأنا أريد ألواناً متعددة من الطعام.. لا صنفاً واحداً أو صنفين كما أعدت لنا سيدة البيت الأولى.. وكثيراً ما كان والدي يتدخل ليهدئ من روعي ويذكّرني أن رمضان ليس لملء البطون وانتباج الكروش وإنما هو ركن من أركان الإسلام وفيه الكثير الكثير من المعاني الإيمانية.. فالجوع في رمضان هو درس لنا ليذكرنا بالفقراء الذين يعيشون الجوع كل أشهر السنة ويدفعنا أكثر للتفكير بهؤلاء الناس لمد يد العون والمساعدة لهم.

اليوم بقي مضمون رمضان كما هو عند الناس كافة.. شهر الصوم والخير والبركة والرحمة والمغفرة والعتق من النار.. لكن أصاب الناس في شهر رمضان موضات وصرعات جديدة فقد غدت (السمبوسة) و(الكنافة) و(القطايف) مظاهر أساسية ومميزة لموائد رمضان وصار من المعيب أن ترى مائدة بلا (سمبوسة) وتهافت الناس عليها فهم يقفون بالطوابير انتظاراً لهذه العجينة المستطيلة العجيبة.

ووجد القائمون على القنوات الفضائية سوقاً رائجة في رمضان فإحدى القنوات تطلب منك أن لا تخرج من البيت وأن تتسمَّر لرؤية برامجها وأخرى أعدت لك عشرة مسلسلات دفعة واحدة.. وفضائية أخرى قالت إن شاشتها غير في شهر الخير! وتقصد طبعاً (غير) أي أنها ابتكرت طريقة جديدة لإضاعة الوقت وإلهاء الناس عن معاني رمضان.. ناهيك طبعاً عن برامج المسابقات والرقص والغناء والمسلسلات الخادشة للحياء.

علينا أن نحافظ على المعنى الحقيقي لشهر الصوم، وأن نكثر من التضرع إلى الله ليغمرنا برحمته التي وسعت كل شيء، وأن نترك خلف ظهورنا تلك الترهات، مبتعدين عن الجلوس أمام الفضائيات، التي ضربت مثلاً في إضاعة الوقت في التفاهات، وأن نستغل فوائد هذا الشهر الفضيل خير استغلال في طاعة الله والعتق من النار إنه سميع قريب مجيب الدعوات.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد