Al Jazirah NewsPaper Monday  08/09/2008 G Issue 13129
الأثنين 08 رمضان 1429   العدد  13129
من ربيع براغ إلى الثورة المخملية
آدم ميتشينك

ما هو ربيع براغ، أو كيف كانت أحداث 1968 بصورة أكثر عموماً؟ من الواضح أن المغزى من هذه الأحداث أصبح أكثر إثارة للجدال مع مرور الوقت.

لقد نشأ أفراد جيلي على الاحتجاجات وهراوات الشرطة، نشأ على الآمال التي تولدت ليس فقط عن ربيع براغ، بل وأيضاً عن الحركة الطلابية البولندية التي انطلقت في شهر مارس / آذار، والأحداث التي شهدتها باريس في شهر مايو/أيار من ذلك العام، وأول الإشارات إلى الديمقراطية الروسية التي عبرت عنها الكتابات الأولى لكتاب مثل ساخاروف وسولجينيتسين. وبالنسبة لمن كان مِنا سجيناً في بولندا، فكان ربيع براغ بشيراً بالأمل. وحتى الصحف البولندية الشيوعية التي كانت تُقرأ خلف القضبان نَقَلَت لنا على نحو ما أنباء تغيرات عظيمة تجري في الدولة المجاورة لنا إلى الجنوب.

ما زلت أذكر الصدمة التي شعرت بها حين علمت بالغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في أغسطس/آب من نفس العام، والآلام التي أسفر عنها ذلك الغزو والتي دامت طويلاً. في الذكرى العاشرة لذلك الغزو التقيت أنا وفاتسلاف هافيل وجاك كورون وعدد من المعارضين المنشقين على الحدود التشيكية البولندية. وهناك صورة فوتوغرافية تسجل ذلك اللقاء، والتي ضمت عدداً من الناشطين الذين أصبحوا فيما بعد رؤساء دول ووزراء وأعضاء في البرلمانات، والذين كانوا آنذاك مطاردين من قِبَل الشرطة وكأنهم مجرمون.

كانت تلك اللقاءات عبارة عن امتداد لمناخ ربيع براغ. ولقد شعرنا جميعاً بأننا نساهم في تأسيس بناء جديد، بناء قد يتحول ذات يوم إلى عنصر مهم يدخل في تركيبة الديمقراطية في بلداننا.

وهذا هو ما كان. ففي أغسطس/آب 1989، اقترحت في البرلمان البولندي مشروع قرار يقضي بتقديم الاعتذار للتشيك والسلوفاك بسبب التورط البولندي في غزو 1968. وآنذاك شعرت وكأن دائرة تاريخية بدأت تكتمل: فقد تحولت أفكار مارس/آذار بولندا وربيع براغ، وأفكار لقاءات الجبل التي جمعتنا، إلى حقائق سياسية. وبعد ثلاثة أشهر بدأت الثورة المخملية في براغ.

كان الفارق الرئيسي بين ربيع براغ والثورة المخملية أن الأول كان في الأغلب من عمل أعضاء الحزب الشيوعي وغيرهم ممن أرادوا (منح الاشتراكية وجهاً إنسانياً). ونتيجة لهذا فإن بعض الناس في أيامنا هذه يعتبرون ربيع براغ مجرد صراع على السلطة بين الشيوعيين. بيد أن الطرق إلى الشيوعية - وعبرها - كانت كثيرة، والكثير من تلك الطرق كانت في تقارب واضح مع التقاليد الوطنية.

الحقيقة أن الشيوعية كانت تتمتع بالجاذبية لعدد كبير من الأسباب، بما في ذلك فكرة العدالة الكونية والعلاقات الاجتماعية الإنسانية؛ وهو ما كان يشكل استجابة للأزمة الروحانية العظمى التي تمكنت من أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وردة فعل لحروب التطهير العرقي النازية فيما بعد؛ والاقتناع بأن الهيمنة الغربية على العالم كانت في طريقها إلى الزوال. وأخيراً، كانت الشيوعية في ذلك العالم الذي قسمه مؤتمر يالطا تشكل في نظر بعض الناس الخيار الواقعي الوحيد بالنسبة لوسط أوروبا.

في تشيكوسلوفاكيا في العام 1968 توجه الشيوعيون الإصلاحيون نحو المُثُل الديمقراطية التي كانت متعمقة الجذور في البلاد في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية. وكان ألكسندر دوبيك، زعيم الشيوعيين التشيكوسلوفاكيين ورمز ربيع براغ، تجسيداً حياً للأمل في التطور الديمقراطي، والتعددية الحقيقية، والسبيل السلمي لدولة يحكمها القانون واحترام حقوق الإنسان.

ولكن في المقابل وفي بولندا، التي شهدت بداية مترددة في حركة مارس/آذار الطلابية، نجحت الزمرة القومية الاستبدادية في استغلال كل ما هو متعصب وجاهل في التقاليد البولندية، وتوظيف كراهية الأجانب والخطابة المناهضة للمفكرين. كما نجح ميتشسلاف موكتزار وزير الداخلية البولندي آنذاك في الجمع بين الخطابة الشيوعية ولغة أخرى تليق بالحركات الفاشية سعياً إلى تعبئة الحشود ضد (أهل الفكر الليبراليين العالميين).

خسرت حركة الحرية البولندية في العام 1968 مواجهتها أمام عنف الشرطة؛ وسُحِق ربيع براغ تحت أقدام جيوش الدول الأعضاء الخمس في حلف وارسو. ولكن في نظر كل من الدولتين كان العام 1968 سبباً في مولد وعي سياسي جديد. وكانت الحركات البولندية والتشيكية المعارضة، التي نشأت بعد بضعة أعوام فقط، ضاربة بجذورها في أحداث العام 1968م.

كانت أزمة الحزب الشيوعي بمثابة المحرض الذي نشأت بفعله حركة ربيع براغ، ولكن الزعم بأن الحركة كانت مجرد نتيجة للصراع السياسي بين أعضاء الحزب يشكل تزييفاً للتاريخ وإنكاراً لقسم كبير من التراث الوطني.

كانت المواقف في التعامل مع الشيوعية تشكل دوماً موضوعاً مثيراً للجدال بالنسبة للمعارضة المناهضة للشيوعية. فقد رفض البعض الشيوعية بكافة أشكالها، إلا أن الأغلبية كانت بصورة أو أخرى على اتصال بالشيوعية، من خلال الافتتان بأهل الفكر، أو المشاركة في مؤسسات الدولة، أو الاقتناع الفاتر بأن قبول واقع الحياة في ظل الشيوعية يشكل السبيل الوحيد الذي يستطيع من خلاله المرء أن يقدم أي نفع لبلاده. وكان هؤلاء الناس الذين (لطختهم الشيوعية) يشكلون أغلبية المشاركين في الثورات ضد الدكتاتوريات الشيوعية.

ولكن لا يسعنا أن نغفل فئة أخرى من الناس: أو هؤلاء المهتمين غير (الملوثين) الذين نأوا بأنفسهم عن المشاركة في عالم السياسية. كانوا يكرهون الشيوعية، ولكنهم كانوا مقتنعين بعدم إمكانية إصلاح النظام، وكانوا يتجنبون المعارضة الديمقراطية. وبينما خاض آخرون المجازفة أو ألقي بهم إلى السجون، شاركت الفئة الأخيرة في البنية الرسمية والقانونية في بلدانهم.

لا ينبغي لنا اليوم أن نلوم أي شخص لسلوكه مثل ذلك السلوك. ولكن المدهش في الأمر أن يتهم هؤلاء الناس كل من شاركوا في ربيع براغ والمعارضة الديمقراطية بالارتباط بالشيوعية. كان من الواضح أن الشيوعية مجرد أداة بين أدوات الهيمنة السوفييتية على المجتمعات المقهورة، إلا أنها كانت أيضاً تشكل أسلوب حياة بالنسبة لأقسام ضخمة من هذه الأمم في ظل الظروف التي اضطرت للحياة تحتها. وأصبح إمري ناجي زعيم الثورة المجرية في العام 1956، ومعه دوبيك، يشكلان جزءاً من التراث الوطني لبلديهما، وهو ما يكذب الزعم بأن الشيوعية كانت مجرد عامل خارجي مفروض.

استند ربيع براغ إلى قيم أساسية: الحرية، والتعددية، والتسامح، والسيادة، ورفض إملاءات المعتقدات الشيوعية. حين أسترجع هذه الأحداث بعد أربعين عاماً، لا أرى الثورة فحسب، بل وأرى أيضاً الوهم العظيم الذي تمثل في الحلم بإمكانية التفوق على الكرملين في الدهاء والحيلة، والتحول بالمجتمع بلا آلام من الشيوعية إلى الديمقراطية. كان ذلك الاعتقاد ساذجاً، إلا أنه كان يمثل أيضاً الأساس الذي قامت عليه الصحوة الوطنية التي وجدت فيها الحرية صوتاً لها.

آدم ميتشنيك كان أحد زعماء حركة تضامن
والمحرر المؤسس لجريدة Gazeta Wyborcza.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت ، 2008.
خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد