Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/09/2008 G Issue 13132
الخميس 11 رمضان 1429   العدد  13132
أين يكمن الخطأ وما هي الحلول؟
محمدالمنصور الشقحاء

ثمة وهم يدعوك للمشاركة في النقاش، ومع الوقت يتسرب إلى داخلك حزن أسود، ملطخاً بوهم أن الفرج سوف يأتي.

وتكتشف أن المشاركين في الحديث لهم قضاياهم الخاصة، فليس هناك في النقاط المطروحة هم إنما شعور خاص بالغبن.

بموازاة وعي نظري يتم طرح المشكلة، ويأتي آخر بمشكلته وآخر ثم آخر وتتلمس أن الجميع غير واعين بمطالبهم وأين يكمن الخطأ وماهية الحلول: كلهم ينتظرون التعليمات أي وهم يرفعون أيديهم محتجين لا يملكون صوت فتح الباب لدخول من يقول إن القانون يقول في هذه النقطة هذه المواد.

والحديث عن العمالة المنزلية هي قضية الصحافة وحديث المجالس، هروب عاملة منزل واختفاء سائق خاص وكشف ممارسات وطقوس غريبة داخل منازلنا.

من المتهم هنا؟ هل هو النظام الذي نختلف في تفسيره، والمعاملة غير الإنسانية التي نتهم كأسرة سعودية بممارستها جهلاً منا بحقوق الإنسان وحسن التعامل؟

من يحمي المجتمع مما يحدث في المنازل وفي الشوارع والمحلات التجارية والخدمية وأهمها المراكز الطبية ومكاتب الاستقدام، والتعامل الرسمي من قبل الجهات المعنية إمارات المناطق والجوازات وإدارات الشرطة المكلفة بتنظيم التعامل ومراقبة الأخطاء؟

أدبيات ظاهرة استقدام العمالة المنزلية من أطراف الدنيا تخلق نوعاً من القلق الفكري، حيث النقاش يجعلنا متهمين، بينما هناك أعراف وتقاليد وهناك عقد قانوني ينفذه طرف ثالث وموافقة تأتي من المصدر وفق حاجة وتعاليم المورد، تتم هذه العملية بكيفيات وعلاقات متباينة ومتفاوتة في مستواها الفكري.

إذاً مكمن الخطأ هذا النقاش الفضفاض الذي معه يسحب وعينا وثقافتنا إلى بئر أمية الذات المكتنزة سلبية بسبب الشعور بالغبن، وتأثرنا بما يقال من اعتسافنا وهضمنا حقوق المكفول بسبب بداوتنا وتحضرنا البدوي القائم على الغرور والظلم.

يطرق الأبواب المنزلية والمحلات التجارية والمؤسسات العامة قطيع من العمالة الوافدة الباحثة عن عمل، وأنت خارج من باب المسجد يتلقفك سائق جارك يعرض خدماته وقد علم أن سائقك الخاص هرب ويساوم على راتب من يوفره، وتكتشف أنه عرف أن عاملة المنزل التي استقدمتها من شهرين هربت ولديه الأفضل.

بل هناك مواطن ومواطنة رقم هاتفه ورقم هاتفها متداولان لتأمين المطلوب وبراتب ضعف المتعارف عليه وتجد أن البديل سائق هارب وعاملة منزل هاربة وتطمئن فأنت تتعامل مع شخصية محترمة تحمي نفسها وتحميك من العقاب الحكومي ومن الغرامة الحكومية.

وهنا تكتشف أن الجانب الجزائي الذي يطال الجانبين الكفيل والمكفول منفذ من السلطات المحلية عليك كمواطن ولا تقوم بواجبها في إلزام سفارة المكفول بتطبيق مواد النظام الذي تم الاتفاق عليه في تطبيع العلاقات الدبلوماسية والأعراف الدولية.

لا تخضع العقود التي جرى اعتمادها من وزارة الداخلية ووزارة التجارة ووزارة العمل إلى عدالة الرقابة والتنفيذ، قد يكون هناك جانب إيجابي وهو إعادتنا إلى الواقعية التي فيها نتحمل كأفراد وأسرة مسؤولية معاشنا ودورنا في الحياة بعد أن فقدنا هويتنا باتكالية بشعة على الآخر في بناء حياتنا داخل منازلنا وأحيائنا ولم نعد نشعر بحساسية العمل الذي اتقنا.

إنها ثقافة الاستهلاك المعاشي القائم على السخرية من ذاتنا وفقدنا أهميتنا كولاة أمر داخل البيت وفي الشارع وفي التبضع حسب الحاجة لا بما يمليه علينا الآخر الذي استقدمناه لخدمتنا وبرمجتنا حسب ثقافته وقدرته على إلباسنا ثوبه وفق قيمه وقدرته على سلبنا حقوقنا.

منذ أيام جاء سائق اعتدت مشاهدته يصلي معنا في مسجد الحي موفرا سائقا خاصا بدلاً من السائق المسافر ولا أدري كيف وافقت، ومع الوقت عرفت أن السائق الجديد يعمل في الرياض منذ عام (1415هـ) ولديه رخصة قيادة ويعرف شوارع الرياض، وثرثار كلما طلبت منه إقامته وجوازه يعدني أنه سوف يحضره وأنه سوف يأخذ موافقة كفيله، ومر الوقت وإذا برجال الجوازات يحجزونه ويطالبونني بدفع غرامة تشغيل وافد هارب من كفيله وإقامته منتهية وجوازه غير مجدد.

كان تعامل رجال الجوازات راقيا ونظاميا وجاء تعاملهم إنسانيا عندما اكتشف المحقق غبائي: وسائق من جنسية سائقي المسجون يحضر لي جوازي سائقي القديم والجديد وإقامته لأكتشف أن السائق المسجون منح تأشيرة خروج وعودة منذ سنة، ولم يسافر فقد أوهم كفيله بالسفر وبقي في الرياض يعمل هنا وهناك بضعف راتبه ويحمل جوازه وإقامته التي لم يسحبها كفيله عند منحه تأشيرة السفر ولم يبلغ عن تأخره في العودة.

المهم بعد دفعي لغرامة تشغيل عامل هارب وشراء تذكرة طائرة له وسفره، اكتشفت أن كفيله دبر هذه الحيلة حتى يسلم من غرامة عدم تبليغه أن عامله لم يسافر وحتى يسلم من دفع قيمة تذكرة السفر فقام بعد تشغيله عندي بعشرة أيام بتبليغ الجوازات بهروب عامله وأنه يعمل عند أحدهم في الحي الفلاني ورقم المنزل كذا واسم الشارع كذا.

نحن نستغل النظام في الإضرار ببعض ونسعى إلى الاستفادة من الأخطاء بدون وازع ديني أو ضمير، وهذا جاء من تعدد مكاتب الاستقدام وسهولة الاستقدام الشخصي أفراد ومؤسسات، وضياع العدالة في حماية المواطن كطرف أول من واجبات الكفيل الشخصي: وحل هذه الحالة يأتي من دمج مكاتب الاستقدام في شركات خدمة متخصصة، أشبه بشركات النظافة والصيانة القائمة، توفر العمالة النسائية المنزلية والسائق الخاص، وتؤجرهم على من يرغب وفق عقود كالمتبع في عقود الأجانب الحكومية، وتكون الشركة الخدمية هذه ملزمة بتأمين دفعات استقدام شهرية وفق طلبات الأسر وحاجة كل منزل بموجب قانون عام، يدرسه مجلس الشورى وتعتمده وزارة التجارة، أحد بنوده توفير سكن ورعاية صحية وناد ترفيهي يجد فيه الوافد محطة استراحة لإجازة من العمل مشروعة شهرية، بها يستعيد العامل والعاملة نشاطهم في فضاء إنساني يمليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويفرضه الإعلان المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه.

وبالتالي علينا اتخاذ الآتي:

1- إعادة النظر في رسوم نقل الكفالة وتخفيضها للحد الأدنى، وجعلها حرة بشروط أهلية نظام الاستقدام القائم من فرد لمؤسسة ومن مؤسسة لفرد.

2- إعادة النظر في قانون إدانة الكفيل خاصة إذا قام بتبليغ الجهة المعنية خلال يوم واحد من اختفاء السائق الخاص وعاملة المنزل.

3- تحميل سفارة الوافد وفق عقد تبعات الإخلال بالعقد.

تقليص قيمة نقل الكفالة يحد من زيادة أرقام الوافدين للعمل بوجود كم من المتخلفين والهاربين والباحثين عن عمل بموافقة الكفيل، ويوفر لخزينة الدولة مصروفات أجر الاستقدام الذي ينعش اقتصاد بلد المستقدم وينزف اقتصادنا لقاء عمولات باهتة، وتحمل المكفول الهارب ضريبة مخالفته لشروط الاستقدام وقيمة تذكرة السفر يحد من نمو ظاهرة الهروب، وتحميل سفارة الوافد أعباء مخالفات مواطنها يخلق التوافق الحقيقي في التعاون الدبلوماسي المتمثل في الاحترام المتبادل وحفظ حقوق المواطن.

نحن بحاجة لتصحيح أوضاع وشروط العمالة المنزلية الوافدة وخلق قانون جديد معه نحمي المواطن من الاستغلال وتجريمه على خطأ لم يرتكبه ومعه يجد الوافد أن حقه مصان فيجد الأمان الذي معه تغرب كريما وفي بيئة صحية تتقي الله وتعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، والله المستعان.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد