Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/09/2008 G Issue 13132
الخميس 11 رمضان 1429   العدد  13132

رحم الله الشيخ عبدالله بن إبراهيم آل معمر
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

 

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوماً على آلة حدباء محمول

لكل أجل كتاب ولك حي نهاية وغياب، فهذه سنة المولى في خلقه منذ الأزل، حياة ثم ممات لجميع الخلائق المتتابعة على ظهر هذا الكوكب الأرضي إلى يوم البعث والنشور، فالسعيد في ذاك الموقف الرهيب الذي تذهل فيه كل مرضعة عن ما أرضعت من يأخذ كتابه بيمينه مسروراً فنرجو من المولى أن يكون الأخ الكريم الوجيه: عبد الله بن إبراهيم المعمر من أولئك السعداء، حيث لاقى وجه ربه بعد صلاة التراويح في ليلة الثلاثاء 9-9- 1429هـ متخطياً تسعة عقود من الزمن، ومقارباً عبور (الهنيدة) مأسوفاً عليه بعد رحلة طويلة حافلة بالعطاء وبالعمل الجاد في خدمة الوطن وأهله تحت مظلة ملوك هذا الوطن أنجال مؤسس وموحد أرجاء هذه البلاد جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -، وظل في الخدمة ما يقارب الأربعين عاماً قضاها متنقلاً أميراً ومحافظاً في كثير من مدن المملكة بدءاً من مدينة شقراء - حوطة بني تميم - مرات - الأفلاج - حريملاء - المجمعة -، وأخيراً محافظاً بوادي الدواسر، تغمده الله بواسع رحمته - بعد ذلك أخلد إلى الراحة في مهوى رأسه: بلد آبائه وأجداده (سدوس) فأخذ أحبته ومعارفه يتقاطرون على قصره ومزارعه لزيارته، والاستمتاع بأحاديثه الشيقة التي يتخللها بعض القصص والمواقف الطريفة التي مر بها أثناء رحلته الطولى، وتنقله بين تلك المدن والمحافظات المشار إليها بكل نشاط وإخلاص، فأولئك الزوار يلقون منه حسن الاستقبال، والمبالغة في إكرامهم وإيناسهم بما يحلو لهم، فمكانه بمنزله الصوالين الأدبية التي يؤمها الكبار من علية القوم والأدباء، وسائر طبقات المجتمع لما يلقونه من حفاوة وتكريم:

حبيب إلى الزوار غشيان بيته

جميل المحيا، شب وهو كريم

ثم أعقب تلك الأيام وليالي سروره مع أسرته ومع أحبته مكابدة أعراض الكبر والآلام المتعددة والتنقل من قصره إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بين حين وآخر، وهكذا طبيعة الحياة التي لا يدوم لها سرور حتى انتهاء رصيده الزمني من أيام الدنيا ليلة الثلاثاء 9-9-1429هـ منتقلاً إلى دار البقاء والمقام:

ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له

من الله في دار المقام نصيب

فنرجو له طيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله لجميع الخلائق بالنهوض من مراقدهم، ولقد تحقق على يديه الكثير من المشاريع التنموية في تطوير معظم البلدان التي كان يعمل بها.. كما أن له دورا فاعلا في إصلاح ذات البين، وبين الأطراف التي قد يحدث بينها خلافات وتنازع مما أكسبه محبة لدى المواطنين، وتقدير المسؤولين له لما يتمتع به من حنكة وبعد نظر، وحسن تعامل مع الغير، لذا عمد ولاة الأمر على تعيينه في عدد من كبريات المدن.

والمحافظات ممثلاً لهم ومنفذاً لأوامرهم، فقام بتلك المهام بكل جد وإخلاص خير قيام طيلة تسنمه لتلك المناصب المتعددة.. ولقد ولد وترعرع وتربى بين أحضان والديه في بلده سدوس الشهيرة المتربعة على جنبات شعيب الحيسية الحافلة بأشجار الطلح وارفات الظل التي تعتبر من المتنزهات الجميلة لجلالة الملك عبد العزيز والمرحلة الأولى السنوية من مراحل توقفه أثناء توجهه إلى الحجاز وإلى بيت الله الحرام، بمكة المكرمة - آنذاك - بل وما زالت تلك الغابات متنفساً لمن يؤمنها من مدينة الرياض، وغيرها من البلدان المجاورة، وخاصة في مواسم الربيع وإجازة العيدين، ويعتبر ذاك الشعيب من أوسع وأكبر منحدرات سيل وادي حنيفة المتجه عبر العيينة والجبيلة صوب الرياض.. ولقد اشتهرت أسرة آل معمر بالكرم الحاتمي منذ أحقاب السنين فبلد سدوس ممر ومعبر هام لقاصدي الرياض راجلين وراكبين دوابهم..، وخاصة القادمين من الجهات الشمالية مثل القصيم، وسدير، والوشم، ومن البلدان المجاورة لها..، وذلك في الزمان الأول كانوا يتجهون لقضاء حوائجهم، والبعض للأعمال الحرفية هناك في داخل مدينة الرياض، والبعض يعمل في المزارع والنخيل الحكومية المحيطة بالمدينة لكسب لقمة العيش لهم ولأسرهم، وذلك قبل وجود المدارس وتوفر الوظائف الحكومية في تلك الحقبة البعيدة..، فضيوف آل معمر باستمرار ليلاً ونهاراً فيقدموا لهم ما تيسر من أطعمة وأعلاف لمواشيهم ودوابهم، فصدورهم رحبة لا تمل وجوه الأضياف من عابري الطريق، فالأسماع دائماً تلذ لذكرهم لما يتمتعون به من سخاء وكرم، وبعد هذا الاستطراد الذي ألزمنا بالتنويه بأفضال الذين خلد التاريخ لهم ذكراً حسناً وسمعة يعبق أريجها..، إلى الحديث عن الشيخ عميد أسرة آل معمر (أبو سعد) - رحمه الله - وحفاوته وإكرام من يؤمه سواء أثناء عمله المشرف في تلك المدن والمحافظات، أو بعده بل وقبيل رحيله: كنا نزوره على فترات متقاربة في مزارعه وفي قصره مع بعض الإخوة للاطمئنان على صحته والاستئناس بأحاديثه الممتعة التي لا تمل، وما يتخللها من طرائف وعِبَر، وكان يصر على إكرامنا وتناول طعام العشاء بجانبه رغم ما يعانيه من متاعب جمة وأمراض شتى، كما أن أخاه الشيخ الراحل عبد الرحمن لا يقل عنه حفاوة وإكراماً بضيوفه - آنذاك - رحمهما الله جميعاً، فالكرم سجية من سجايا أسرة آل معمر..، وعندما قدمت لزيارته الزيارة الأخيرة بالمستشفى التخصصي وهو في شبه غيبوبة فسلمت عليه قائلاً أنا محبكم عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف فبادرني بصوت عال وهو في حالة حرجة ابن الشيخ ابن الشيخ! وهي آخر كلمة سمعتها من فيه - تغمده الله بواسع رحمته -.

ولقد اشتهر مدة حياته - كما أسلفنا - بإبادة الخراف صغاراً وكباراً تكريماً لأضيافه مُهلياً ومرحباً والابتسامة لا تبرح شفتيه ولله در (أبو تمام) حيث يقول:

فتى لم تكن تغلي الحقود بصدره

وتغلي لأضياف الشتاء مراجله

ولئن خلا مكانه منه فإن شخصه يظل ماثلاً في خواطر محبيه مدى الأيام..

رحم الله أبا سعد وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته أم عبد العزيز وجميع محبيه الصبر والسلوان.

{{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد