Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/09/2008 G Issue 13132
الخميس 11 رمضان 1429   العدد  13132
كل هذه المناديل
وسام الحلو

كان جالساً على السرير النحاسي العالي المرفوع على قوالب عدة من الطوب الأحمر.. هي كانت جالسة على الأرض مستندة إلى دولاب ذي زخارف عتيقة معبقة برائحة بخور هندي متربعة في جلبابها الأسود الذي لا تبدله فقد ماتت أمها ومات أبوها وزوجها وخمسة من الأولاد.. أخذ يحكي لها عن أحزانه الدفينة والتي لا يفصح عنها إلا لها.. لها فقط..

كانت تأخذ همومه وأسراره وتحشرها في الشقوق التي حفرها الزمن تجاعيد غائرة.. هل كان لا بد أن يصبح وجهها الذي كان جميلاً كرغيف خبز؟

فتحت درج الدولاب أمام الذي جاءها شاكياً وأخرجت له منديلاً مربعاً نظيفاً مكوياً بلون البحر.. دهش وقال: أنا لا أبكي.. قالت خذه معك.. دسه في جيبه..

لما عاد إلى البيت أخرجه من جيبه وتركه على الطاولة..

في البيت أولاد.. والأولاد يلعبون.. أخذوا المنديل.. تجاذبوا أطرافه.. لما أصابه همٌّ فوق هم ذهب إليها وطلب كوباً من الشاي على الرغم من الصهد المارق إلى الحجرة الصغيرة.. سحبت القلة وصبت الماء في البراد.. وبينما يحكي لها عن همومه وكأنها أشياء عابرة وقفت عصفورة ملونة على الشباك بين أسياخ الحديد لمحتها فمدت يدها.. ربتت على ركبته وقالت له: بشرة خير كل همومك ستذهب مع الهواء الذي سيأتي غداً.

فتحت الدرج وأخرجت منديلاً بلون الأرض، عليه خطان وكأنهما نخلتان سعفتهما على وشك الاهتزاز..

دسه في جيبه وغادر المكان..

لما عاد إلى البيت وجد صغيره يهذي فأخرج المنديل من جيبه بلله بالماء.. وضعه على جبين الصغير وأخذ يهذي بلا سخونة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد