Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/09/2008 G Issue 13132
الخميس 11 رمضان 1429   العدد  13132
نزهة
جمال كامل

تخطى مع ابنه الصغير سور النهر الأسمنتي السميك. انحدرا بخطى حثيثة متلاصقي الأصابع يتجنبان قدر ما استطاعا عثرة حفر خفية، وصخور رمادية انتشرت في المكان. وقف الأب بمحاذاة النهر متأملاً، والصغير راح يطبع أثر حذائه الجديد فوق عجينة الضفة الطينية مرة بعد أخرى فرحاً. كان النهر صافياً، تتراكب مويجاته. بطيئة السرعة، صغيرة الارتفاع، هادئة، رخية على لسان الجرف الرملي. والسماء اكتسبت حمرة شفيفة شوهتها غيمة منفردة دكناء سكنت في التماع عين الأب. كفت قدما الصغير لما رأى علبة معدنية، متوسطة الحجم. انمحى لونها، وانطعج بدنها تطفو عالقة بالعشب، على مقربة منه فالتفت لأبيه قائلاً:

- سأصيبها.

ضحكت عين الأب وقال: لا تستطيع.

بحركاته التي انفعلت انحنى الصغير والتقط بعض الحصى الصقيلة وقال:

- سترى.

- وأنا سوف أعد أخطاءك.

مال الصغير بجسده مطوحاً يده اليمنى إلى الخلف بعد أن غرز ساقه اليمنى في العجينة البنية ثم رمى رميته بقوة، فلم تصبها، والأب كف بأربعة أصابع خاطئة تشع في عيني الصغير. عندها تردد الصغير لفترة شاعراً بنعومة الحصى في راحته، فكانت أخيراً، رميته بقسوة زفرته المحمومة والطويلة التي أصابت أذني الأب وحافة العلبة المعدنية وحررتها من اشتباك العشب الداكن. فصاح متقافزاً:

- أرأيت يا أبي الخامسة أصابت.

في تهدج صوته الخافت، تصب. والأب أخذ بدوره يلاعب إصبعا متوتراً وابتسامة فضحها صوته حين قال:

- واحد.

والصغير على قبضة أصابعه يشد أكثر، مطلقاً رميته الثانية التي فعلت كما الأولى.. بقبقة مكتومة رسمت على سطح النهر حلقة دقيقة ملتمعة كبرت في ابتعادها. والأب يرفع يده على شكل رقم (7) ويقول:

- اثنان.

ثم تلتها الثالثة والرابعة

ردد الأب:

- إنها أربع.. إنها أربع.

والصغير منتشياً يصيح:

- لا.. لا يا أبي الخامسة

.. الخامسة أصابت.

والأب أربعة أصابع ترتجف في الهواء، فقال هامساً:

- نعم، نعم.. الإبهام ضاع في الحرب.

لمح الصغير ارتعاشة كف بأربعة أصابع طويلة، فاختفت ضحكته وتلاشت في اصفرار وجهه وسار ملتصقاً بأبيه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد