Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/09/2008 G Issue 13134
السبت 13 رمضان 1429   العدد  13134
عن الليبرالية وحريتنا الاقتصادية
عبدالعزيز السماري

نجاح المد الليبرالي في اختراق حواجز الأديان والأيديولوجيات الناهضة للحرية الاقتصادية في الشرق يجعلنا في حاجة إلى إعادة النظر والتقييم لما أطلقه فرانسيس فوكوياما من إعلان تحت عنوان (نهاية التاريخ)،

خلاصتها أن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولّى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة، وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية.. وكان قد حذر فوكوياما من الإسلام لحجة أنه يشكل عائقاً ضد تقدم وتطور السوق الحر.. ولو استسلمنا للأمر الواقع وآمنا بأن الليبرالية هي خيار الاستقرار والرخاء والسلام فإن نتائج ما يحدث من تقدم ليبرالي على الأرض لا توحي بذلك..

والليبرالية كما نفهمها من خطواتها وأحداثها في التاريخ الحديث لا يمكن تصورها بدون إدراك أولاً أنها الحركة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تتطور عبر الدوران حول حركة السوق الحر، والسوق هو الاجتماع في مكان وزمان محددين، من أجل عقد صفقات.. تماماً مثلما فسرها المنظر الاقتصادي للحقبة الاقتصادية العالمية الحالية، وزعيم مدرسة شيكاغو ميلتون فريدمان..

فحسب نظرية ميلتون فريدمان، العلماء والمثقفون والأدباء والفنانون الذين يجتمعون ويتعاونون مع بعضهم بعضاً لتقدم حقول فنونهم وتخصصهم، سواءً أكانت الفيزياء أم الكيمياء، أو الاقتصاد أو علم الفلك أو الأدب والشعر والفن، هم في الحقيقة والواقع يعقدون صفقات فيما بينهم. وسوقهم يتكون من سلسلة متصلة من المجلات والمؤتمرات وما إلى ذلك.. كذلك علماء الدين الذين يتواصلون بعضهم مع البعض، ومع أتباعهم يمثلون أحد أوجه السوق إذا كان يصاحبها دعاية وترويج إعلامي ينتج عنها برامج ولقاءات وفتاوى لها مردود اجتماعي ومالي على جميع الأطراف..

ربما يحد هذا التآلف بين علماء الشريعة والسوق الحر من مخاوف فوكوياما وبرنارد لويس من الدين الإسلامي، والذي لم يكن طوال التاريخ ضد التجارة أو السوق.. لكن حدوده في الاقتصاد ظلت حبيسة الأدراج لقرون، ولم تخضع للتطوير، ولكن تشتت بسبب غياب منهج التطوير في الفقه الاقتصادي، كذلك هو الحال في الوقت الحاضر، فغياب هيئة تشريعية عليا لسن التشريعات الاقتصادية لعمليات المرابحة أو المضاربة الإسلامية جعلت التعامل مع قضايا فقه الاقتصاد فردية وفي غرف موصدة إذ يتكفل حالياً كل (بنك) ومصرف بإصدار التشريع مع عالم الشريعة الذي يناسب أهدافه المادية، وهو ما يجعل هذا الفقه أسيراً لتطور السوق الحر.

يؤكد ميلتون فريدمان منظر الاقتصاد الحر في العقدين الأخيرين أن أحد الأسباب الأساسية لمعارضة الاقتصاد الحر أنه يقدم للناس ما يرغبون به بدلاً عمّا تعتقده جماعة محددة بالذي يجب عليهم أن يرغبوا به، و إن معظم الآراء المعادية للسوق الحرة مبنية على عدم إيمان بالحرية ذاتها.. وهذا هو ربما مربط الفرس لتفسير فشل الليبرالية أو مجتمع السوق في الشرق، فتطبيقات الاقتصاد الحر في بلاد المسلمين ما عدا ماليزيا لم تخلق الرخاء والسلام الذي بشر به فوكوياما لأنها مقيدة وليست حرة، ولكن هل تطبيقات الشريعة الإسلامية هي التي تقيد تطور مجتمع السوق أم أن هناك عوامل أو مصالح أخرى هي التي تقيد تحرر السوق بكل مفاهيمه.. الواقع لا يقرر أن الشريعة تقيد حريتنا الاقتصادية، إذ تتمتع أنظمتنا الاقتصادية بنوع من الحرية، لكنها حرية فوقية لا تأبه ولا تؤمن برغبات الأفراد والتي تعتبر أحد أهم ركائز مجتمع السوق الحر..

ولنا أن نتساءل عن أي نظرية اقتصادية يجب أن نعود إليها لكي نفهم ما يحدث في مجتمع السوق المحلي، وهل أفكار آدم سميث الذي جاءت بمقولة إن تحقيق الثروة ليست فقط بجمع الذهب والفضة والتجارة ولكن بالعمل، هي النظرية التي يمكن من خلالها فهم اتجاه الاقتصاد المحلي، لكن حال السوق يظهر العكس تماماً فحرية الاقتصاد المعنية لم تنجح في حل أزمة البطالة ولا زال مجال العمل تحتكره القوى المالية والعمالة الأجنبية.. أم مدرسة جون كينز الذي قام بتطوير نظرية تدخل الدولة في الاقتصاد عن طريق التوجيه والإنفاق وسياسات الأجور، بينما نجد التدخل الحكومي ليس بذلك القدر الذي يحمي المواطن من فوضى السوق والتلاعب فيه كما يحصل في سوق الأسهم..

أم مدرسة ميلتون فريدمان صاحب (المدرسة النقدية) والتي تعتبر أن التضخم ظاهرة ناتجة عن زيادة كبيرة في كمية النقد الذي يصدره البنك المركزي، وإن حصر هذه الزيادة في نسبة معقولة (5%) سنوياً سيكون كافياً للقضاء على التضخم، وبالفعل تم الاستعانة بهذه القاعدة بالمصرف المركزي الأمريكي لمجابهة حالة التضخم والركود التي هددت الاقتصاد الأمريكي في فترة السبعينيات، وحققت هذه القاعدة النجاح وقتها وتم القضاء على التضخم، كما تم الاستعانة بها بعد ذلك في مواجهة هذه المشكلة في عدد من الدول..

لكن معدلات التضخم في الوطن لم تتوقف عن الارتفاع ووصلت إلى نسب عالية وغير مسبوقة وهو ما يرفع عدداً من علامات الاستفهام عن أي نظرية اقتصادية نطبقها؟؟.. ولماذا يستمر تدهور سوق الأسهم وتتابع انهياراته في ظل طفرة اقتصادية نادرة، ولماذا لا يجد المواطنون فرصاً للعمل في سوقهم، ولماذا لم تطل الخصخصة قطاع الرياضة والطيران المدني، ولماذا لا يُجرم الاحتكار في العقار والسلع، وتطبق العقوبات على أولئك الذين يستغلون هذه الحرية من أجل تحقيق الأرباح الخيالية كما حدث في قضايا احتكار الحديد.. ولماذا لا يشارك الأفراد في تنظيم وإدارة السوق لدفع حركة تطور المجتمع إلى الأمام كما يقول صاحب النظرية النقدية في الاقتصاد ميلتون فريدمان..؟!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد