Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/09/2008 G Issue 13141
السبت 20 رمضان 1429   العدد  13141
حديث الأسبوع
حُبُّ المظاهر وعقدة الأجنبي
د. محمد غياث التركماني

يحلو لكثير من الناس أن يقولوا ويتباهوا بأنهم عولجوا في أمريكا أو ألمانيا أو بريطانيا، أو أن مريضتهم وُلدت في واحد من أفخم وأهم المشافي. كما يحلو لآخرين أن يقولوا أيضاً إن هذا الدواء أو ذاك كانوا قد جلبوه معهم من فرنسا أو كندا، وهم من أجل المظاهر يدفعون القليل والكثير، وحتى قد يستدينون كي لا يكونوا عرضة لانتقادهم من أحد من الناس.

الحقيقة أن حُبّ المظاهر عقدة كثيرة المصادفة، وللأسف أنها أصبحت مجالاً للتنافس والتحدي وحتى في المجال الطبي، وفي الأمور التي تتعلق بصحة الإنسان.

وفي ذاكرتي العديد العديد من تلك القصص والروايات والحكايا.

فأذكر أنه يوماً كان عندي مريض مصاب بصدفية الأظافر، ومعروف أن الصدفية في الأظافر من أصعب الأمراض علاجاً، وكنت قد أديت واجبي اتجاهه بكل ما أملك من علم وخبرة ودراية في ذلك الموضوع. لكنه في النهاية كافأني على ذلك قائلاً: أريد أن أسافر إلى أمريكا يا دكتور لأعرض حالتي على أحد الأطباء هناك فأرجوك أن توصي لي بأشهرهم وأهمهم في هذا المجال. ولم أتردد لحظة في مساعدة مريضي مطلقاً لأني أثق بنفسي كامل الثقة أنني قد أديت واجبي على أكمل وجه. أرسلت بريداً الكترونياً إلى أحد الأساتذة المشهورين في مرض الصدفية، وهو يسكن مدينة دالاس الأمريكية. ورتبت لذلك المريض العزيز موعداً مع الطبيب . كان ثمن اللقاء ثلاثة آلاف دولار عداً ونقداً لأن لائحة المواعيد بعيدة جداً وإعطاء موعد قريب يتطلب دفع مبلغ زائد. حضر المريض ولم يحضر الأستاذ. بل حضرت مساعدته. ومع إصرار المريض وعناده بأن يرى الطبيب المقصود حضر الأستاذ أخيراً. فرآه عن بُعد وبدون أن يلمس جلده، ولدقائق معدودة جداً، ثم قال له بكلمات مقتضبة: التشخيص والعلاج صحيحان تماماً. لماذا أنت هنا... اذهب ولا تترك طبيبك!

وعاد إليّ المريض العزيز جداً طالباً مني المشورة من جديد بعد أن أضاع الوقت والمال. وفي حادثة أخرى... لمّا كنت أعمل في أحد المشافي الحكومية المرموقة في مدينة الرياض. كانت تعمل في قسم الباطنية طبيبة بريطانية عجوز متقاعدة في بلدها، وكان أحد المرضى يصرُّ بأن تراه الطبيبة الإنكليزية مع أن علمها وخبرتها لم يكونا في المستوى المطلوب. ويشهد على ذلك الأطباء في القسم. وكان قد جاء من كندا في ذلك الوقت مجموعة من الأطباء السعوديين المتخرجين حديثاً، والمتسلحين بأحدث أساليب الطب والتطور العلمي، ومع ذلك فيبدو أن سواد عيونهم لم يكن يوماً جواز سفرٍ يعبرون فيه إلى قلب ذلك المريض.

لا أدري لماذا لم تزل عقدة الأجنبي وحب المظاهر والسفر للعلاج في الخارج تركبنا حتى أخمص قدمينا؟. أهي عقدة الناس التي لا يحلو لهم سوى دفع المال من أجل مظاهر لمّاعة خدّاعة لا قيمة حقيقية لها؟. أم عقدة العيون الزرقاء ما زالت تركبنا أيضاً؟. وماذا أفعل أنا بحالي وزملائي أيضاً إن لم تكن أمهاتنا قد ولدتنا بعيون زرقاء؟.

أحمد الله أن هناك عدداً قليلاً جداً من المرضى لا يزال لديه شكّ في المصداقية عندما نقدم لهم النصيحة والمشورة. ولا يزالون يفضلون أن يستشيروا أصحاب العيون الزرقاء. فهم ربما يحبون الأمور التي خالطها التعقيد وزينها التبهرج وحُبّ المظاهر.

وأحمد الله أيضاً ألف مرة أن العدد الأكبر من مرضانا ربطتنا ولا تزال تربطنا بهم علاقات وطيدة، ومصداقية نقية لا تشوبها شائبة بالرغم من سواد شعرنا وعيوننا أيضاً.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد