Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/09/2008 G Issue 13142
الأحد 21 رمضان 1429   العدد  13142

هُمُومُنا.. بعض (المستور) لم يرَ (النور)..؟!!
حماد بن حامد السالمي

 

دأبت التلفزة السعودية في الأشهر الأخيرة، على بث حلقات من سلسلة (همومنا)، التي تتناول شهادات واعترافات على ألسنة البعض من أبنائنا، أولئك الذين عادوا من بؤر الصراع المميتة في العراق أو في غيره من البلدان، مما تطلق عليه الجماعات المتطرفة في خطابها الديني عادة: (أراضي الجهاد)، فتحرض الشباب انطلاقاً

من هذه المفاهيم الخاطئة، على العصيان والتسلل إلى هناك، بحثاً عن الشهادة والحور العين، حسب وعود مشايخ التحريض الذين يجندونهم ويدفعونهم إلى القتل.

* تابعت بعض حلقات هذه السلسلة، التي تعدها وتشرف عليها وزارة الداخلية، فهي في الحقيقة، من أفضل ما تقدمه التلفزة في الوقت الحاضر، لما فيها من مكاشفات مباشرة، تميط اللثام عن حقائق في غاية الأهمية، خاصة في جانبها المتعلق بالمآسي الذي يتعرض لها الشباب السعودي، بعد أن يتجاوز حدود بلاده إلى نقاط العبور، ومن ثم إلى ساحات القتال، ودخوله في دوائر إرهابية موغلة في التوحش، وكيف يخضع هذا الضحية المنسل خفية عن أهله ومجتمعه، إلى بيع وشراء على أيدي تجار لحوم بشرية، وسائقي سيارات أجرة، وعملاء أطراف تتقاتل بينها البين، ثم كيف يصبح هذا القادم إلى حتفه بعد ذلك، مجرماً وقاتلاً على هوى قادة العصابات هناك غصباً عنه (أحياناً)، وكيف يُربط بعضهم إلى داخل سيارات مفخخة لينفجر بها في بناية أو جمع من الناس، فيقتل العشرات، ويمزق جسده بينهم، أو يعتقل على أيدي رجال أمن البلاد التي هو فيها، فيصبح بين عشية وضحاها، في غرف مظلمة، وحياة موحشة، وتعذيب وعذاب، ومساءلات ومساومات مالية جديدة. يجري هذا لهؤلاء الذي ظنوا أنهم يجاهدون، دون اكتراث من أي أحد، لا من القادة الميدانيين الدمويين، ولا من المشايخ المفتين لهم بالجهاد على هذه الصيغة، والذين حرضوهم وجندوهم ومولوهم وهربوهم إلى المحرقة، بينما ظلوا هم بين أسرهم ومع أهليهم وأبنائهم، في عيش رغيد، ونعيم مقيم، ليس لهم من الجهاد الذي يدفعون إليه غيرهم، إلا الكلام.. الكلام فقط..!

* رأينا في بعض حلقات هذه السلسلة التوثيقية، آباء مكلومين ينزفون ألماً وحرقة وحسرة، على أبناء لهم مارسوا مع آبائهم وأمهاتهم أساليب الخداع والتمويه، ليتمكنوا من التسلل دون أن ينتبه لهم أحد، والأسلوب نفسه اتبعوه مع السلطات السعودية في عبور نقاط الخروج إلى دول مجاورة، ثم الانتقال من هناك بحرية أكبر. هذه هي أساليب مشايخ الحركة الصحوية، الذين جهدوا سنوات طويلة، لحصد هذه النتيجة، يوم تتوفر لهم خلايا من الشبيبة المقاتلة، تدين لهم بالولاء المطلق، وتأتمر بأمرهم في الزمان المعين والمكان المحدد، وتجبه خصومهم بالطريقة التي يرون أنها هي الأفضل والأنجح. لا يهم من يموت ومن يعيش. المهم أن يُرضي الشيخ غروره، ويحقق غرضه، ويمارس حلمه الأبله، في التسلط وحكم العالم أجمع..!

* في معظم حلقات سلسلة همومنا، ظهرت شهادات تحمل كثيراً من الدلالات المهمة. أسهمت هذه الشهادات والإفادات، في كشف جوانب كثيرة من المستور الذي ظل إلى وقتها لغزاً غير مفهوم عند بعض الناس، خاصة أولئك المخدوعين بمظاهر التدين الزائفة، والتظاهر بالتقوى وحمل هموم المسلمين، الذي مثّل في كثير من الأحيان، بوابة واسعة لاستدراج أنصاف المتعلمين، وكثير من المتحمسين وصغار السن، وإدخالهم في منطقة الوهم الكبرى، خدمة للحركة و(أيديولوجيتها) ليس إلا. كثير من أولئك الذين تابعوا هذه الحلقات، أصبح أكثر فهماً ووعياً بما يدور حوله، وأكثر حرصاً على نفسه وولده، وأعصى من أي وقت مضى، على الدخول في اللعبة، التي كان ينبغي أنها انتهت منذ سنوات مضت، ولكن ما باليد حيلة.

* أعتقد - أيها السيدات والسادة - أنه قد بقي بعض من هذا المستور الذي لم ير النور بعد، ولم يكشف عنه. معظم الشهادات التي شاهدنا واستمعنا إليها، تبدأ عادة من تغيب الابن (الضحية) عن البيت، ثم خروجه فجأة إلى بؤر الصراع، ثم اكتشاف الأمر من الأهل بعد أيام أو شهور أو حتى سنوات، ثم تبدأ مرحلة جديدة من التتبع والترقب بين آلام وآمال لا سقف لها. يُقتل الابن الضحية، أو يختفي فلا يُدرى ما صنع الله به، أو يُسجن ويُسحق على أيدي سجانيه وبائعيه، أو يهرب عائداً وقد نجاه الله، لكن تبقى هناك حلقات مفقودة أو أسرار غير مكشوفة، لا أدري لِم لَم تر النور في هذه الحلقات، خاصة وأن المسرد من هذه الشهادات، ظهر على شكل سير ذاتية لحقبة من الزمن الصعب، ظلت وما زالت الأشد سواداً وظلامية في حياة هذا الجيل. فهي التي تشكل علامات استفهام لا تقل أهمية عن جانبها الخارجي. على سبيل المثال لا الحصر:

* حياة هؤلاء الضحايا في أسرهم؟

* مدارسهم وحلقاتهم التي درسوا فيها؟

* أساتذتهم ومشايخهم الذين درسوا عليهم؟

* كتبهم التي كانوا يقرءون؟

* أصدقاؤهم وأصحابهم؟

* رحلاتهم وخلواتهم؟

* من جندهم فكرياً؟

* من جهزهم مادياً؟

* من سهل تسللهم وخروجهم؟

* هذه وغيرها، كلها أسرار كان ينبغي كشفها، وتعرية أصحابها على الملأ دون وجل أو خجل، فالقضية قضية مصير دولة ومجتمع ووطن ومستقبل، والأمر لا يتعلق بمغرِّر ومغرَّر به، أو مضلِّل ومضلَّل به فقط. الأمر أكبر من هذا، والقضية لا تحتمل تمييعها وتضييعها، تحت مسميات تهوينية مثل: (فئة ضالة)، و(شباب مغرر به)، ونحو ذلك، لأن التغرير لا يحمي المغفلين، وادعاء الجهل والضلالة، لا يسقط الحقوق العامة والخاصة، والذين اختاروا طريق إشعال الفتن في الداخل والخارج، كلهم عقلاء مكلفون، وليسوا مجانين ولا أطفالاً صغاراً، وهم مسئولون عما اقترفوا من جرائم في حق وطنهم ومجتمعهم، وكشف المزيد من أسرار التجنيد، بالتفاصيل صغيرة كانت أو كبيرة، يقطع دابر المتطرفين من الحركيين، فيحول بينهم وبين الإبقاء على مشروعهم الإرهابي فاعلاً، لا حاضراً ولا مستقبلاً. إن (سوء الظن من حسن الفطن)، وخاصة في تعاملنا مع المتطرفين والإرهابيين، من العار أن نخدع من هؤلاء الناس مرة أخرى. لقد صدق بديع الزمان الهمداني حيث قال:

كذاك الناس .. خَدّاع

إلى جانب خَدّاعِ

يعيشون مع الذئب

ويبكون مع الراعي

assahm@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5350 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد