Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/09/2008 G Issue 13144
الثلاثاء 23 رمضان 1429   العدد  13144
في مسيرة الأستاذ الجامعي.. عندما تحتاج الحوافز إلى حوافز
محمد بن عبدالعزيز الفيصل

لا يختلف اثنان على نُبل المقصد الذي يعزف عليه أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية؛ إذْ يعكف عدد كبير منهم على إعداد البحوث وتكليسها, بعيداً عن الحافز المادي (الهدف) الذي يحجر أي عمل إيجابي (طموح) لدى تلك الفئات من البشر..

.. فانقسمت (طمعاً) ليصبح مبتدعوها لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ الأمر الخطير الذي يحتم أهلية النظر في تلك الحوافز (الإعلامية) التي قد تكون حلاًّ (مؤقتاً) لدعم هذه الفئة المضطهدة من البشر.

كان قرار مجلس الوزراء بشأن (تحسين) الأوضاع الوظيفية لأعضاء هيئة التدريس محمساً؛ فهو تأكيد على ضرورة الاهتمام بهذه الفئة ودعمها؛ فهي العصب الخفي والوسيط (الصادق) بين الرقي والحضارة في جُل المجتمعات المدنية.

تأتي هذه (المكرمة) عقب سنوات عجاف من الركود (الوظيفي) الذي ظَلَّ مخيماً على أسوار الجامعات السعودية لعقود طويلة, ومع ذلك لم يأبه عدد لا بأس به من أعضاء هيئة التدريس بذلك فاستمروا في طرق البحوث وتطوير الأفق, فكانت تلك المؤلفات المتنوعة خير شاهدٍ على شرف الرسالة ونُبل المقصد الذي نذر هؤلاء أنفسهم من أجله.

أقول هذا الكلام وذاك.. ولست منهم؛ فأنا لا أُجامل هذه العُصبَة لأني لا أنتمي إليها أو ما شابه ذلك؛ أبداً فهذه هي الحقيقة التي يجب أن يفهمها كل من ينتقد هذه الفئة ويكيل لها اللوم.

التقيتُ بعدد من الأصدقاء أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية, وبعضهم في بداية مشواره العلمي والوظيفي, ومع سعادتهم بصدور قرار مجلس الوزراء بشأن تحسين أوضاعهم الوظيفية, إلا أن هذا القرار مع إيجابيته لا يمس صلب المشكلة ولا يعالج أيّاً من القضايا التي يعاني منها هذا الكادر, ومن سيطلع على بنود القرار ولن يكتفي بالعناوين والعموميات فسيعرف ذلك جيداً.. وهذه أخي القارئ الكريم قراءة سريعة لبعض إيجابيات وسلبيات هذا القرار:

أولاً: مكافأة نهاية الخدمة أول بنود القرار الذي ينص على صرف مكافأة لمن زادت خدماته على عشرين عاماً، علماً بأن متوسط أعمار من حصلوا على شهادة الماجستير والدكتوراه - في تقديري - هم بين 25 و35 عاماً، والبعض قد يصل بهم المطاف إلى الخمسة والأربعين عاماً وهو لا يزال على مرتبة أستاذ مساعد؛ لظروف خارجة عن الإرادة، التي يبدأ سلمها من 9500 ريال. وقياساً على ذلك فستكون مكافأة نهاية الخدمة في أحسن الأحوال ثلاثمائة ألف ريال؟!, وهذا مبلغ زهيد وخاصة في الوقت الحالي في ظل ارتفاع الأسعار الذي شمل كل شيء. الأمر الآخر عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس تقاعدوا أو على وشك التقاعد وهم لا يملكون منازل؛ فهم إما في سكن الجامعة (الضيق) أو متنقلون بين الإيجارات, بل إن بعضهم قد تقاعد وهو لا يملك منزلاً؛ فكل ما لديه من مال قد أنفقه على البحوث والتأليف.. وما ذنب أولئك الذين خدموا لسنين طويلة وتقاعدوا قبيل صدور القرار بأعوام قليلة!, فيمكن - على سبيل المثال - أن تكون مكافأة نهاية الخدمة بأثر رجعي لمدة خمس سنوات على الأقل حلاًّ مؤقتاً إلى حين؟!.

أما البند الثاني وهو بدل الندرة فلا أظن أن جامعاتنا تضم تخصصات نادرة تستحق أن يخصص لها بدل خاص؟! فخذ على سبيل المثال جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, الجامعة الرائدة في علوم الشريعة واللغة بالإضافة إلى التخصصات الأخرى, لا يوجد فيها - حسب علمي - تخصصات يمكن أن يطلق عليها نادرة, فمَنْ سيستفيد من هذا البند إذاً؟!

وفيما يخص البندين الثالث والرابع: بدل الجامعات الناشئة وبدل حضور الجلسات, فالجامعات الناشئة هي أساساً كليات وفروع للجامعات الرئيسية, وأعضاء هيئة التدريس فيها هم في الغالب من أبناء المنطقة؛ فهي لا تحتاج إذاً إلى تشجيع للعمل فيها، ولكنها تعاني من الأعداد الهائلة ممن يرغبون الالتحاق بها.

أما الرابع فمع تواضع المبلغ (300 ريال) بدل حضور جلسة القسم لأعضائه فستكون 1200 ريال لمن يحضر جميع الجلسات, إلا أن هذا القرار جيد وإيجابي؛ فمجالس الأقسام تعاني من العزوف فلا يحضرها إلا عدد ضئيل من الأعضاء، وهذا سيحفزهم لحضور الجلسات والمشاركة في قرارات القسم, أما بدل حضور مجلس الكلية فهو يقتصر على فئة قليلة, من كل قسم اثنان, الرئيس وشخص آخر يرشحه القسم.

مكافأة التميز البند الخامس من القرار، ويقر صرف مكافأة تميز من 10 حتى 40 في المائة، تتدرج ابتداء من كونها محلية حتى تصل الحد الأعلى لها إذا كانت هذه الجائزة براءة اختراع. فلو حصرنا - على سبيل المثال - من حصلوا على جوائز فهم عدد ضئيل إذا ما قارناهم بمجمل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية, وحصولهم على جائزة محلية أو إقليمية أو براءة اختراع سيكون لمرة أو مرتين في حياتهم. حتى المكافأة فهي ضئيلة جداً؛ لأنها ستقاس بالراتب الأساسي للدرجة الأولى من السلم, وهذا في الحقيقة هو عين الإجحاف لا التكريم.

وينص البند السادس على بدل التعليم الجامعي ونسبته 25% من الراتب الأساسي للدرجة الأولى من السلم لأعضاء هيئة التدريس لمن يبلغ نصابه الأعلى. مَنْ سيبلغ نصابه الأعلى منهم لن يجد وقتاً للبحث والتأليف؛ فسيكون وقته بين محاضرات الطلاب والاختبارات والتصحيح والإرهاق, أضف إلى ذلك أن من سيصل نصابه الأعلى من الأساتذة جدلاً فلن يتجاوز 25% من أعضاء هيئة التدريس, فهو ليس إلا إلهاء عن البحث والتأليف.

أما رفع مكافأة الوظائف القيادية التي ينص عليها البند السابع: للعميد ووكيل العميد ورئيس القسم فإلى جانب تواضعها, فمن سيستفيد منها عدد قليل من أعضاء هيئة التدريس يعدون على الأصابع, في كل كلية العميد والوكلاء ورؤساء الأقسام الذين يجدد لهم كل سنتين, وعلى أية حال هي وظائف إدارية لا تمس صلب الموضوع (تحسين الأوضاع الوظيفية لأعضاء هيئة التدريس السعوديين في الجامعات السعودية!).

الغريب أن من يتجول داخل مساكن أعضاء هيئة التدريس سيجد نفسه متجولاً داخل حي شعبي!؟, فالمبالغة في تضييق مساحات الوحدات السكنية أمر يثير الاشمئزاز, وإذا كانت المساحات (المحدودة) هي السبب فليس شرطاً أن يكون السكن داخل الحرم الجامعي؛ فيمكن أن يبنى في أي مكان قريب من الجامعة؛ فالدولة تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء يمكن الاستفادة منها لهذا الغرض النبيل, ومن سيتقاعد منهم سيُطرد من السكن دون إنذار مسبق, وأنا أعرف عدداً من أعضاء هيئة التدريس المعروفين على الصعيدين الثقافي والعلمي سار بهم الزمن إلى التقاعد وهم داخل السكن الجامعي فأُخرجوا منه وهم في نهاية مشوارهم العمري, ليعيشوا تحت وطأة الإيجار، وما أدراك ما الإيجار, فأنا على يقين تام لو تحسنت الأوضاع المادية لهم بنسبة 50 في المائة فقط مع توفير مساكن تليق بهم فسيتحسن مستواهم إلى الضعف.. وكلنا أمل في قيادتنا الرشيدة بأن يتسع صدرها لهذه الاقتراحات المتواضعة.

ALFAISAL411@HOTMAIL.COM


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7448 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد