Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/09/2008 G Issue 13144
الثلاثاء 23 رمضان 1429   العدد  13144
تأملات في يومنا الوطني
صالح بن محمد السبتي

يوافق يوم الثلاثاء، 23 رمضان (23 سبتمبر)، اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، وهو اليوم الذي أعلن فيه جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله- توحيد الدولة تحت هذا الاسم العزيز، في عام 1351هـ...

هذه الدولة الرشيدة التي يعتزُّ شعبها الأبي، وملوكها الميامين، ويفخرون، برفعها راية الإسلام، وتطبيقها للشريعة الإسلامية.. ويشكرون الله على نِعمة الوحدة والأمن والاستقرار.. فهي نِعمٌ مقدمةٌ على النِّعم المادية الظاهرة مهما بلغت قيمتها.

وبتأمل محيطنا الجغرافي والسياسي والاقتصادي نعرف قيمة هذه النِّعم.. فالنمو، وإن كان كبيراً، لا يمكن الحفاظ عليه، إذا لم يدعمه أمنٌ واستقرارٌ.. لأنه لا يتراكم.. ولا يؤدي إلى التغيير الإيجابي المطلوب.. بينما يتراكم النمو، مهما كان صغيراً، مع الأمن والاستقرار، ويُغيِّر المجتمعات إلى الأفضل في عقود قليلة.

والوحدة والأمن والاستقرار لا تأتي بالصدفة، ولا لمجرد الرغبة في تحقيقها.. فهي تحتاج إلى رأي سديد وعمل دؤوب.. والرأي، كما يقول الشاعر، قبل شجاعة الشجعان.. هو أولٌ وهي المكان الثاني.. الشجاعة في غير موضعها تهور ومجازفة.. والتراجع في مكانه المناسب تعقل وحكمة. وقد رأينا الدول والأنظمة من حولنا تتساقط أو تنتكس، لأنها لم تدرك الفروق بين تلك المفاهيم.

وتأريخنا مليء بالانتصارات التي نعرفها جميعاً، كما أن بين ثناياه أياماً حاسمة، تجاوزتها الدولة السعودية بالحكمة والرويِّة والتعقُّل، فكانت الخطوة إلى الوراء تُهيء لعشر خطواتٍ إلى الأمام... فعلى سبيل المثال، كان هروب الإمام تركي بن عبد الله من الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، بعد سقوطها عام 1233هـ، من أهم أسباب المحافظة على هذه الدولة الرشيدة واستمرارها.

كما كان اتفاق الإمام فيصل بن تركي مع خورشيد باشا، قائد قوة محمد علي، التي كانت تمثل الدولة العثمانية، عام 1254هـ، بشروط حَفِظت البلاد وحقوق العباد، أيضاً من أسباب عودة الإمام مظفراً للحكم في وقت لاحق، ومن أهم أسباب المحافظة على هذه الدولة واستمرارها.

وكانت مغادرة الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي للرياض عام 1308هـ، حين ضعفت الدولة بسبب الخلاف والفرقة وطمع الطامعين، من أسباب وإرهاصات عودة جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيَّب الله ثراه، إلى الرياض عام 1319هـ، وبداية مسيرة الوحدة التي ننعم بوارف ظلالها الآن.

فالتأريخ لن ينسى الإمام تركي بن عبد الله ولا الإمام فيصل بن تركي ولا الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي، رحمهم الله. فما قاموا به في تلك المواقف هو تقديم للرأي على الشجاعة.. لأن الرأي في تلك المواقف كان تعقلاً وروية، والشجاعة لو طغت على الحكمة في تلك المواقف، لربما كانت تهوراً ومجازفة.

لقد توارث بيت الحكم السعودي تلك الحكمة التي تكاد تكون مغروسة في جيناته.. فالملك عبد العزيز يدرس الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، ويستخلص منهما الدروس والعبر التي يسترشد بها في بناء الدولة الثالثة. وقد قيل في الملك عبد العزيز ومنجزاته المرتكزة على القيم الإسلامية والعربية، وعلى رأسها الحكمة والكرم والتسامح والشجاعة، الشيء الكثير، الذي لا يحتاج إلى إضافة. ويكفي أنه وحَّد هذه المملكة من أقصاها إلى أقصاها، وألَّف بين قبائلها وحواضرها، وحقق الأمن في ربوعها، ثم بدأ باستغلال ثرواتها البترولية، التي نقلت شعب هذه الدولة من مرحلة تأريخية إلى أخرى، من مرحلة الحاجة إلى مرحلة الغنى والعطاء، ومن مرحلة الهجرة للبحث عن سبل العيش إلى مرحلة استقطاب المهاجرين من دول كثيرة، الذين يأتون إلى هذه البلاد طلباً للرزق.

وقد سار أبناء الموحد العظيم على خطاه، في التعامل مع الأمور والأزمات. فعلى سبيل المثال، تخطى الملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله- بهذه الدولة، بحكمة ورويَّة، مرحلة من أخطر مراحل الشرق الأوسط والعالم العربي.. مرحلة تميزت بتهديد الأخ لأخيه، باسم العروبة وغيرها من الشعارات. كما قاد خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- هذه الدولة، خلال حروب إقليمية متتابعة، بين دول مجاورة، انتهت بغزو صدام حسين للكويت، واحتلالها، وتهديد المملكة.. وقد تميزت إدارة الملك فهد لتلك الأزمة بثقة في الله ثم في النفس، كانت نادرة في المنطقة، خلال تلك الأزمة.. كانت رؤيته واضحة.. ترى الخطوط الرئيسة، وتتجاهل التفاصيل الصغيرة، التي يضيع في غمارها -عادة- من ليس لديهم رؤية ثاقبة.

كما تعامل خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- مع أزمتين كبيرتين، منذ أن كان ولياً للعهد، أولاهما غلب عليها الطابع الخارجي، والأخرى غلب عليها الطابع الداخلي، بالكثير من الحكمة والحزم، فجنَّب بلادنا الكثير من المشكلات.

الأزمة الأولى هي تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، التي حاول الذين يصطادون في الماء العكر، من قوى الضغط العالمية والإقليمية والمذهبية، توظيفها ضد الدولة السعودية بكل الأشكال.. ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، بسبب سياسة دولتنا العقلانية، وأسلوبها العملي في التعامل مع القضايا بشكل عام، والأزمات بشكل خاص.

أما الثانية فهي ظاهرة الإرهاب التي مرّت بها بلادنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بسنوات قليلة، وتم التعامل معها بشكل فاعل ومميز بشهادة المجتمع الدولي، حيث تضافر الحوار والمناصحة، مع السياسات الاقتصادية، والعمليات الأمنية، لتوصل هذه البلاد الطاهرة إلى بر الأمان.

حكمة قادة هذه الدولة والأسلوب المتوازن الذي يتعاملون به مع القضايا الداخلية والخارجية هما من أهم عناصر قوتها. ويخطئ الذين يظنون أن قوة هذه الدولة تقتصر على مواردها البترولية. فالذين يقرؤون التأريخ يدركون كيف كانت القوى الإقليمية والدولية تحترم هذه الدولة، وتحرص على التواصل مع الملك عبد العزيز قبل أن يكتشف البترول في هذه البلاد. قوتنا تنبع من ديننا، ووحدتنا، والأمن والاستقرار الذي نتمتع به، وسياساتنا الحكيمة المتوازنة، ومواردنا. حمى الله بلادنا من كل سوء، وأعاد علينا يومنا الوطني عقوداً متتابعة، ونحن نرفل في نَعمائِه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد