Al Jazirah NewsPaper Friday  26/09/2008 G Issue 13147
الجمعة 26 رمضان 1429   العدد  13147
نوازع
هل غيرت النفحات شيئاً من سلوكنا؟
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

كم هو منظر مبهج حقا مرأى جموع المسلمين رافعين أيديهم متضرعين إلى الله العلي القدير، متجهين بقلوبهم وحواسهم إلى رب أحد صمد راجين ثوابه، وخاشين عقابه، متوسلين إليه فهو الرب الكريم الرحمن الرحيم، طالبين أن يغفر ذنوبهم ويستر عيوبهم ويبلغهم مبتغاهم.

هذا الجمع الغفير الذي شد رحاله ليكون بقرب البيت العتيق رافعاً أياديه متبتلاً إلى ربه راجياً ما عنده، وهذه الجموع التي نراها عبر التلفاز في جميع أقطار العالم الإسلامي تبشر بخير وتدعو إلى الأمل في أمة إسلامية كانت في فترة من تاريخها تقود العالم إلى الخير والسلم والرحمة، والعلم والثقافة والتطور.

هذه الأمم التي كان يعيش أبناؤها هذه الأيام العشر الأواخر من رمضان متحرين فيها ليلة القدر، تلك الليلة التي قال الله عز وجل فيها {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}

ليلة عظيمة نزل فيها القرآن، ويرجو المسلمون فيها الغفران، فهنيئاً لمن اجتهد فيها لعل الله يحقق له مراده، ويزيده من فضله فيعود إلى حياته غانماً بمغنم عظيم، ونوال جليل، وبضاعة مزجاة. يعود وقد ملأ قلبه بالإيمان، وروحه باليقين، وعقله بالتدبر والتفكير.

نتمنى أن تكون العشر الأواخر وهذه الليلة المباركة فاتحة خير للمسلمين، أن يرحموا الإسلام بما ابتلاه بعضهم من سلوك أبعد ما يكون عن تعاليمه، وأن يعيدهم إلى الرشد الذي دلهم عليه الإسلام، ويسر لهم طريق سلوكه.

أمة الإسلام متاح لها فرص لم تتح لغيرها من الأمم، فقد جاءها كتاب كامل محفوظ من الزيادة والنقصان، وسنة وسيرة لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم، نبراس لمن رغب طريق الحق والرشاد، فهل من فرصة أفضل من هذه الفرصة لا سيما والنفحات الإيمانية الصادقة من القلب إن شاء الله تتدفق من أبناء هذه الأمة التي ما زال الأمل معقودا عليها لرفع راية الإسلام.

الأمة في حاجة إلى أن تترجم هذه النفحات الإيمانية الكبيرة، إلى أفعال حقيقية تتفق مع حقيقة الإسلام الذي يؤمنون به، في حاجة إلى تهذيب النفس، وعدم تغليب الهوى، والانصياع إلى تعاليم الإسلام بغبطة وسرور، تنفيذاً لأمر الله.

الأمة الإسلامية في حاجة إلى استثمار هذه المشاعر الفياضة وتحويلها إلى بعد إسلامي حقيقي، يجاهد فيه المرء نفسه وهواه، وينتقل من البحث عن مخارج لبلوغ مرامه، إلى البحث عن مسالك لتجسيد حقيقة إيمانه.

الأمة الإسلامية في حاجة إلى أن تكون الأمة صادقة في إيمانها بأفعالها وليس مشاعرها فحسب، تحتاج إلى أن تتحول تلك المشاعر إلى رؤية أخرى مختلفة، تسمو فيها النفس عن الأنانية، وحب الجماعة من خلال حب الذات، وليس حب الذات على حساب الجماعة.

لنتفكر ونسأل أنفسنا، هل يا ترى بعد هذه النفحات الإيمانية الصادقة غيرنا شيئاً من سلوكنا إلى ما هو أفضل؟ أم أننا فرغنا تلك المشاعر، وعدنا إلى ما اعتدنا إليه؟.

الإسلام يأمرنا ألا نكذب، ويأمرنا أن نخلص في العمل، ويأمرنا أن ننضبط، ويحرم علينا أخذ حقوق الناس بغير حق، ويحرم علينا الغش والتطفيف، والنفاق، فهل يا ترى ستدفعنا هذه النفحات الإيمانية إلى سلوك إسلامي صحيح؟.

نحن والله في حاجة إلى العدل والإنصاف والصدق والإخلاص، والعمل الجاد، وحب الخير، والتكاتف والتآخي، والبعد عن المكائد والمكر. فإذا لم يهذبنا الإسلام الذي نؤمن به فمن تراه مهذباً لنا؟ لست أدري.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6227 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد