Al Jazirah NewsPaper Friday  26/09/2008 G Issue 13147
الجمعة 26 رمضان 1429   العدد  13147
حديث المحبة
هل نتعلم الإنصات..؟
إبراهيم بن سعد الماجد

مَنْ ذا الذي عنده أسئلة للإجابات التي في ذهني..؟)

طرح يبدو غريباً من وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق هنري كسينجر.. لكن إذا عرفنا أن سيطرة المسئول على جو الأسئلة المطروحة مهم جداً، وخصوصاً عندما يكون الأمر متعلقاً بشأن حساس وخطير.. ولذا كان كسينجر مبادراً بطرح هذا السؤال على الصحفيين في أحد مؤتمراته الصحفية، وهو بلا شك يعلم أنهم لا يعلمون ما هي الإجابات التي في ذهنه، ولكنه أراد من ذلك السيطرة على جو هذا اللقاء الإعلامي من جهة بهذا التساؤل غير المتوقع.. وأن على الجميع أن يفهم أجندته هو فقط.. وأن لا مكان لسماع ما يتعارض مع هذه الأجندة بأي شكل من الأشكال.. نوع من الإنصات يفرضه المتحدث مع الحاضرين بشكل استباقي يجعل من الجميع لا شعورياً منصتين لكل ما يقوله.

هذه المقدمة التي أعتقد أنها مهمة بين يدي هذا الموضوع الذي سأتحدث عنه وإن كانت أخذت أكثر مما يجب إلا أنني ومن وجهة نظر خاصة أرى أنها تُشكِّل الأهمية الكبرى في هذه المقالة.

إن الإنصات والصمت مختلفان كلياً، فالمنصت لديه ما يقوله، والصامت قد يكون وقد لا يكون وفي غالب الأحوال أن ليس لديه ما يقوله، ولذا لاذ إلى الصمت متكئاً على الحكمة غير الصائبة أحياناً (الصمت حكمة).

وآخذ جزئية (الإنصات) وأطرح سؤالاً هاماً في هذا الاتجاه.. هل نعي ماذا يعني أن ننصت؟ وهل لإنصاتنا مردود على وعينا وثقافتنا وإدراكنا..؟ أكثر من سؤال في سؤال يجب علينا تولي هذا الأمر بعناية كبيرة وليس لمجرد أن نحبِّر الورق ونطرح الكلام على عواهنه دون فائدة نرجوها.. ولذا لعلي أستشهد ببعض ما قيل حول هذا الأمر ليعم عظم أهمية ما أطرحه هنا وأن المسألة فعلاً تحتاج منا مزيداً من الاهتمام بدءاً من كبار رجال الدولة مروراً بالمديرين والمسئولين وليس انتهاء برجال التربية الذين هم في الحقيقة معنيون بهذا الأمر أكثر من غيرهم.

للأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا مقولة جميلة حول أزمة الرسوم الدنمركية التي أساءت إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسببت أزمة سياسية واقتصادية بين الدنمارك والعالم الإسلامي، يقول تشارلز: (إن الصراع الراهن والمخيف وذلك الغضب بخصوص الرسوم الدنمركية يوضح للجميع أن الخطر الأكبر على الاتصال الفعَّال بين العالم العربي والإسلامي والغرب يكمن في ضعف قدراتنا وفشلنا في القيام بالاستماع والإنصات واحترام ما هو ثمين وغالٍ لدى الآخر).

كثيراً ما نقول هذا مجلس (نساء) تعبيراً عن المجلس الصاخب الذي لا يستمع فيه طرف لآخر مع احترامي وتقديري للمجتمع النسائي إلا أن هذه هي حالة مجالس النساء وفي الغالب فلا واحدة تستمع إلى الأخرى ولكن المشكلة التي أعتقد أنها أكبر من هذه هي أن نكون صامتين ولكننا غير منصتين من أجل الاستفادة ومن ثم الإفادة أو أننا صامتون لحديث المحاور ولكننا لا نعمل العقل في معرفة الحق وضده في حديث المتحدث وإنما نعمل العقل في ماذا سنقول بعيداً عما قال المتحدث، وغالباً يعمل عقله من أجل أن يثبت للمستمعين أنه الجدير بالحديث ولبيان العثرات التي يمكن أن يصطادها في حديث الآخر، في مجالسنا ومنتدياتنا الثقافية تكثر مقاطعة المتحدث وهو بعد لم يكمل فكرته..!! لماذا..؟ أعتقد بل أجزم لأننا غير منصتين ولا ننشد الحق فيما سنقول، وإنما (إذا أحسنت الظن) نريد المشاركة بإسماع الحاضرين صوتنا ليس إلا.

إن فن الإنصات من أصعب فنون الحوار، وقد يسأل سائل كيف إنصات وحوار؟ وله الحق في هذا الاستغراب فإنني لا أعني أن يكون الإنصات من أجل الصمت ولكن الذي عنيته أن يكون الإنصات من أجل المشاركة في حوار مثمر وبناء.

كثيراً ما يقول ضيف في أي لقاء تلفزيوني لمحاوره عندما يقاطعه دعني أكمل فكرتي وهذا يعني أن ذلك المحاور غيرم منصت وإنما أمامه عدد من الأسئلة أو المحاور يريد أن يمر عليها جميعاً ولا ينشد الخروج بمعلومة أو فائدة في حواره مع هذا الضيف.

إن قضية الإنصات أعتقد أنها من أهم قضايا الأمة وليس الأفراد فحسب فكم من قضايا دولية تعقدت بسبب عدم الإنصات، وإن كان الإنصات هنا له شكل آخر وكم من إشكالات ثقافية واجتماعية تعقدت بالسبب ذاته.

أتمنى لكم إنصاتاً مثمراً في قابل الأيام.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5968 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد