Al Jazirah NewsPaper Friday  26/09/2008 G Issue 13147
الجمعة 26 رمضان 1429   العدد  13147
إسرائيل في زمن تسيبي ليفني
فانيا أوز - سالزبيرغر*

إن الإسرائيليين المشهورين بفظاظتهم يميلون إلى نداء زعمائهم بأسمائهم الأولى أو حتى أسماء تدليلهم. ولكن لا ينبغي لهذا المظهر أن يخدعنا: إذ أن تسيبي (تسيبورا) ليفني ليست الصديقة المقربة لأي إنسان. إن أسلوبها الجاف، وعزلتها الشخصية، وابتساماتها المصطنعة تجعل منها إسرائيلية غير نمطية. ولكن ربما كانت البلاد الآن بحاجة إلى هذا على وجه التحديد: شخصية إسرائيلية غير نمطية تتولى توجيه دفة البلاد.

لم تتمكن ليفني الزعيمة المنتخبة حديثاً لرئاسة حزب كاديما من هزيمة منافسها شاؤول موفاز إلا بالكاد. أما سلفها إيهود أولمرت المشغول بالدفاع عن نفسه بعد اتهامه بالفساد والذي يجهز نفسه للاستقالة فهو ليس من بين الأصول التي قد تستند إليها. ولكن خارج أسوار الحزب الضيقة كانت استطلاعات الرأي مساندة لها إلى حد غير عادي: إذ تبين أن قطاعاً عريضاً من أفراد الشعب الإسرائيلي يريدها أن تتولى الزعامة. لقد مر بعض الوقت منذ فازت أي شخصية وطنية بمثل هذا التقدير في إسرائيل. وإذا ما تمكنت ليفني من إعادة بناء التحالف الذي أسسه أولمرت وأصبحت رئيسة وزراء إسرائيل القادمة، فلسوف يكون استقبالها الأولي في الداخل والخارج حافلاً.

والسبب وراء ذلك أن ليفني تُعَد ممثلاً نموذجياً لما نطلق عليه (إسرائيل الوسطى). فقد نشأت في منطقة وسطى من مجتمع مدني ناجح ومعتدل يحيط به التطرف والغضب على الجانبين.

ورغم الفترة الوجيزة التي أمضتها في الموساد، جهاز الجاسوسية الإسرائيلي، إلا أن ليفني تتمتع بقدر عظيم من المدنية حين ننظر إليها على الخلفية الإسرائيلية المعسكرة. وإذا ما توفرت الظروف الأمنية المعقولة فربما يكون بوسعها أن تبحر بإسرائيل من الحرب إلى السلام. فهي تمثل القيم المدنية التي كانت شائعة بين العديد من أهل الوسط في إسرائيل منذ عبر عنها تيودور هرتزل كتابة: (إن الدولة اليهودية لابد وأن تكون معاصرة وديمقراطية حتى القلب). يتعين على إسرائيل أن تترك حاخاماتها وقادتها العسكريين في مقارهم المعزولة بكل احترام. إذ إنها تنتمي إلى عالم الأمم، ويتعين عليها أن تسعى بجدية إلى السلام مع جيرانها العرب وأن تحقق العدالة من أجل جميع مواطنيها.

إن الوسط العريض للطيف السياسي الإسرائيلي اليوم ينتمي أساساً إلى هرتزل. فنحن ببساطة لا نلقي بالاً إلى أحلام اليقظة القومية أو الفتنة الدينية، إذ إننا نريد أن نعيش في أمان، وإلى جانب دولة فلسطين المستقرة المسالمة إن أمكن ذلك.

بيد أن إسرائيل الوسطى تدير حياتها الخلاقة الخصبة في الوقت الحالي إلى جانب مجموعة متنوعة من المتعصبين المسلمين واليهود، الذين ترعاهم وتكفلهم أموال الضرائب التي يدفعها أهل الوسط المعتدل في إسرائيل. والحقيقة أن ليفني ذاتها، مثلها كمثل غيرها من المنتمين إلى حزب الليكود سابقاً - بما فيهم معلمها آرئيل شارون - أصبحت تقرأ الخريطة بقدر أعظم من الهدوء والتروي. فقد تخلت عن حلم إسرائيل العظمى لصالح الحل القائم على تأسيس دولتين. وإذا ما تولت منصب رئيس الوزراء فقد تتمكن من تحويل مدة ولايتها إلى نافذة جديدة للأمل، بل وربما الفرصة الأخيرة، لتفعيل هذه التسوية التي يعتبرها الكثيرون أهون الشرور فيما يتصل بمستقبل المنطقة.

فضلاً عن ذلك فإن ليفني تتمتع بصفحة سياسية ناصعة. وكانت خلفيتها القانونية وخبرتها السابقة كوزيرة عدل من الأسباب التي ساعدت في إبراز المهمة التي أخذتها على عاتقها: تحقيق الاستقرار للحكومة الإسرائيلية وتطهير كل أثر للفساد، بما في ذلك ما ارتبط منه بكل من أولمرت وشارون. كما يستطيع الجهاز القضائي الإسرائيلي المتميز أن يعتمد على تأييدها الكامل. والحقيقة أن ليفني شخصية بسيطة متواضعة، وقد لا تكون في مثل تقشف وزهد مناحم بيغين وديفيد بن غوريون، إلا أنها أشد تواضعاً من آخر أربعة رؤساء وزارة مروا على إسرائيل، والذين كانوا جميعاً من الرجال الذين يتمتعون بقدر عظيم من تقدير الذات ويحتفظون بحسابات مصرفية ضخمة لتغطية نفقاتهم الشخصية.

إن ليفني صانعة سلام تتسم بتحكيم العقل لا المشاعر، فضلاً عن قدرتها على الاختيار والانتقاء. وأثناء عملها كوزيرة للخارجية أبدت عدم ثقتها في إشارات السلام التي بدرت عن سوريا، إلا أنها أبقت على رباط تفاوضي مفتوح مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وهي ليست (لطيفة)، وتميل نبرتها الخطابية إلى الصراحة والمباشرة ولا تتمتع بالقدرة على الإلهام، وهي لا تجيد تحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، ولا حتى اللغة العبرية. بيد أن المهارات اللغوية لا ينبغي لها أن تكون ذات تأثير يذكر في وقتنا هذا.

وبعيداً كل البعد عن الأساليب التبريرية التي يتبناها اليسار سنجد أن ليفني من أشد المؤمنين بحق إسرائيل الأساسي في الوجود، إلا أنها على استعداد للتعامل مع الفلسطينيين العمليين ومنحهم السيادة الكاملة في مقابل السلام الكامل. وهي لن تسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل (ما أطلق عليه حق العودة)، ولكنها لا تعترف بالقدسية المطلقة للأرض. وهي تفتح أمام اليهود والعرب نافذة من الأمل، وتعرض عليهم أفقاً مفتوحاً وعقلانية رزينة.

هذه هي إسرائيل التي قد لا تتعرف عليها، وخاصة إذا كان الإعلام الإلكتروني هو نافذتك إلى العالم. وفي سوق الحوارات الإيديولوجية الذي يتمتع بالنشاط والحيوية في إسرائيل، فإن كون ليفني امرأة لن يشكل قضية أساسية على الإطلاق. إذ إن إسرائيل ليست كالولايات المتحدة، والانتماء إلى أحد الجنسين ليس من الممكن أن يعمل كصفة منفردة لأي شخص.

ولكن إذا ما تولت ليفني منصب رئيسة وزراء إسرائيل في غضون أسابيع قليلة، فسوف تصبح إسرائيل أول دولة في العالم يتولى نساء قيادة أفرعها الحكومية الثلاثة. إذ ستنضم ليفني إلى داليا إسحق المتحدثة باسم المجلس التشريعي الإسرائيلي الكنيست، ودوريت بينيش رئيسة الجهاز القضائي والمحكمة العليا - وهو ليس بالأداء السيئ بالنسبة لدولة محاربة حيث يتحول الجنرالات العسكريون إلى رجال سياسة، وحيث الصفة الذكورية هي الغالبة في المجال العام.

لقد انتجت إسرائيل الوسطى هذه العقلية التي يتمتع بها أمثال ليفني، ولكن هناك العديد من العوامل الأخرى التي لا يجوز لنا أن نتجاهلها. فقد تمنى جهود ليفني بالفشل بأكثر من صورة. فإذا لم تنجح في تأليف تحالف فهذا يعني اللجوء إلى صناديق الاقتراع، وهذا من شأنه أن يؤدي في أغلب الظن إلى بروز تحالف ديني يميني. وحتى إذا ما ثابرت فقد تتحطم كافة جهودها على نفس صخرة المجادلات والصراعات التي منعت من سبقوها إلى منصبها المنتظر من جلب الأمن والسلام.

ولكن نظراً للسجل الذي تتمتع به ليفني، فهي تستحق كل الاستحقاق الفرصة لكي تحاول.

* أستاذة ورئيسة قسم الدراسات الإسرائيلية الحديثة لدى جامعة موناش في ملبورن بأستراليا، ومديرة منتدى بوسين لأبحاث الفكر السياسي بكلية الحقوق بجامعة حيفا في إسرائيل. ومن بين مؤلفاتها كتاب (ترجمة التنوير) وكتاب (إسرائيليون في برلين).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008م
خاص الجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد