غازي بن عبدالرحمن القصيبي - ديوان البراعم - ديوان شعري، ط1: 1429-2008 |
دار القمرين - الرياض - 231ص |
يحتوي الديوان على قصائد كتبت بين سنّي السادسة عشرة والتاسعة عشرة .. وهي وإن كانت قد كتبت في أوائل إسهامات الشاعر الأدبية، إلاّ أنها تُعد تراثاً شعرياً مهماً من حياة الشاعر. |
ضم الديوان من القصائد الشعرية الطويلة والقصيرة، ما مجموعها أربع وخمسون قصيدة .. وقد جاءت هذه القصائد بموضوعات مختلفة تمثل تطلّعات الشاعر الشاب نحو حياة حالمة تارة، ومتمردة تارة أخرى. |
ومنها ما هو وجداني ذاتي مثل: أنا .. لماذا .. مناجاة .. المساء .. الشريد ...) |
ومنها ما هو عاطفي غزلي يشوبه ألم الفراق مثل: فراق .. هيا .. عودي .. وانتهى، غني .. بدأت أنساك .. أنا أهواك .. |
ولأنّ هذا الشاعر كتب هذه القصائد في مرحلة عمرية متقدمة من حياته، فقد جاءت معظم هذه القصائد مترعة بالحنين إلى الوطن، أو المكان الذي زرع فيه ذكريات لذيذة، فمن هذه القصائد: (يا نيل .. مصر .. عيون القاهرة .. رسالة إلى أمي .. أمّاه .. الوداع .. غربة ....) .. وغيرها من النماذج الشعرية التي مثلت جانباً مهماً من حياة الشاعر الدراسية، كذلك لم ينسَ الشاعر الحديث عن المستعمر فجاء شعره مسايراً لمرحلة المدّ القومي العربي في تلك الآونة، ونجد ذلك في (مهد الإباء) قصيدته التي تحدثت عن المقاومة في بورسعيد. أيضاً عرّج على الثورة الجزائرية وهو يشدّ من عضدها قائلاً: |
إنّا على رغم الحوادث والعدا |
روح تضج وعزمة لم تهزم |
وإذا ما تأملنا الديوان مرة أخرى نجده حافلاً بالعاطفة الشبابية المتدفقة إلى كل ما هو أمل، سواء كان على المستوى الشخصي أو على المستوى الوطني والقومي .. وإذا ما أردنا تقسيم قصائد الديوان من حيث المكان نجدها لم تكتب في بلد الشاعر ذاته، إنما كتبت في المنامة أربع عشرة قصيدة، وفي القاهرة تسع وثلاثون قصيدة، وواحدة كتبت (بحمدون) لبنان، خلال فترة زمنية محددة ما بين عام (1956 إلى 1959م)، فمن الغربة التي عاشها الشاعر والروح الوثّابة التي رافقت شبابه نهض الخطاب الروحي للشاعر للمكان والوطن والأهل، أضف إلى ذلك الهم العام الذي كان يعانيه الوطن العربي من جراحات .. كل ذلك أوحى للشاعر الشاب (البراعم) لتنبت أشجار أمل. |
قصيدة الشريد (ص 212) من ديوان البراعم |
تتألف قصيدة (الشريد) من ستة مقاطع من الشعر الحر أو شعر التفعيلة دون قافية، وموضوع القصيدة: هموم الشاعر في بلاد الغربة. |
ففي المقطع الأول: نجد صورة تثاؤب المساء، وحلول الليل الطويل والأصدقاء في أمسيات البرد القارس، وهو ينشد الدفء الذي لا يأتي إلاّ مع العاشقين .. ومن كثرة المتاهات التي يسير بها يتساءل أين النهاية خلف هذا المساء؟ |
وفي المقطع الثاني: يرى في الدروب المغفرة من البشر حالة من الغربة الموحشة، فما من صديق أو حتى عابر سبيل يرد تحية المساء، لكن لا من مجيب! |
في المقطع الثالث: يؤنب نفسه لاستمرارها في المسير خلف الوهم وخلف الدروب، فهي لا تنتهي ولن ينتهي المساء معها، وهنا كناية عن الضجر، وتمدد الزمن في المساء. |
وهذا المساء هو من الجحيم، ولن ينتهي الشتاء إلاّ برحيل الشاعر عن هذه البلاد. |
في المقطع الرابع: تتصاعد وتيرة اللغة الحادة آمرة الشاعر بالحصول على شيء يرضي هذا الدوران خلف السراب، مثلاً: (قف - واهتف - انظر ..). وكل ذلك الخطاب جاء ليضع حداً للوحدة التي كان يعانيها، لعل باباً ينفتح فتنضح منه عينان حالمتان تشاركانه حزنه الدفين. |
أما المقطع الخامس: فيلوم نفسه بقوة زاجراً إياها على عدم عثوره حتى على مودّع .. ولكنه يعزي نفسه، بأنّ الدروب والمساء والأنجم، هي من سوف تودّعه. |
في المقطع الأخير: يقتنع بأنّه لا من مجيب لندائه، غير أنه يؤمل النفس أنّ هناك من يتذكّره، ولربما كانت الدروب والأنجم والمساء تقول له: إلى اللقاء). |
ولعل بساطة اللغة ووضوح المعاني هي من تشفع للشاعر البعد عن عمق الفكرة. فلأنّ الفترة الزمنية التي كتب فيها القصائد كانت بداية انطلاقة الشاعر وهي التي شكّلت حجر الزاوية في رصيده الشعري، وتحمل جانباً من جوانب الضعف الإنساني حينما يفتقد للأصدقاء. |
والقصيدة في اعتمادها على تفعيلة (الرجز) مستفعلن وكذلك بعض الأحيان تفعيلة الكامل قد حملت الكثير من الحزن الدفين تحت ثنايا موسيقا الكلمات. |
وإذا قيل إنّ قبح الأدب يكمن في نمو الخيال وتقويته بصورة بسيطة؛ فإنّ الخيال في هذا النص قُدَّ بقوة كي يخرج من إطاره البسيط إلى القوة المبدعة، وهو قوة إيجابية تتجسّد في النص مثل: نام المساء .. مازال المطر صاحياً .. |
والعاطفة تبدو للوهلة الأولى ضائعة تائهة لا يعرف لها قرار إلاّ أنها موجودة بقوة في ثنايا النص، فالشاعر يبحث بقوة عمن يشاركه التآخي الوجداني وهذا منبعه العاطفة الإنسانية الجياشة التي كان يتمتع بها الشاعر في غربته. |
أحمد عبدالكافي الحمادة |
|