Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/09/2008 G Issue 13148
السبت 27 رمضان 1429   العدد  13148
إلى المتاجرين فضائياً بتأويل الرؤيا
لا تستغلوا الظروف النفسية لطالبي تفسير الأحلام

سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة - وفقه الله -

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

اطلعت على ما كتبه سلمان بن محمد العُمري عبر زاويته (رياض الفكر) تحت عنوان: (سوق تأويل الرؤيا) وذلك في حلقتين.. ولأهمية هذا الموضوع الذي طرحه الأخ سلمان العُمري أحببت أن أوضح بعض الجوانب المهمة من الناحية الشرعية فيما يتعلق بذلك.

فالرؤيا هي ما يراه الإنسان في منامه، والرؤيا الصالحة حالة شريفة ومنزلة رفيعة كما ذكر القرطبي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم الصالح أو ترى له) (مسلم 1-348)، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) (فتح الباري 12- 362)، والمراد بالرؤيا الصالحة غالب رؤى الصالحين.. قال القاضي أبو بكر العربي: إن رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة لصلاحها واستقامتها، بخلاف رؤيا الفاسق فإنها لا تعد من أجزاء النبوة، وقيل تعد من أقصى الأجزاء، وأما رؤيا الكافر فلا تعد أصلا (فتح الباري 12-362).

وأما تعبير الرؤيا كما ذكر ابن حجر في الفتح خاص بتفسير الرؤيا، ومعناه العبور من ظاهر الرؤيا إلى باطنها، وقيل: هو النظر في الشيء، فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه حكاه الأزهري، وبالأول جزم الراغب، وقال أصله من العبر بفتح ثم سكون، وهو التجاوز من حال إلى حال (المصباح المنير، وفتح الباري 12-352) هذا وقد ذكر ابن القيم في أعلام الموقعين 1- 190 صورا لتعبير الرؤيا وتأويلها، ومن تلك الصور: تأويل الثياب بالدين والعلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أول القميص في المنام بالدين والعلم (فتح الباري 12-395) والقدر المشترك بينهما هو أن كلا منهما يستر صاحبه ويجمله بين الناس، فالقميص يستر بدنه، والعلم والدين يستر روحه وقلبه، ويجمله بين الناس.

وعلى كل فما ذكر في القرآن الكريم من أمثال كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها، وكذلك من فهم القرآن، فإنه يعبر الرؤيا أحسن تعبير، وأصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن، فالسفينة تعبر بالنجاة، لقوله تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}(15) سورة العنكبوت.

والرماد بالعمل الباطل لقوله تعالى:{مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} (18)سورة إبراهيم فإن الرؤيا أمثال مضروبة ليستدل الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره، ويصير منه إلى شبهه. (أعلام الموقعين 1- 190).

هذا ولا تقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا يحدث بها إلا عاقل محب، أو ناصح، لقوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا}(5) سورة يوسف، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقص ا لرؤيا إلا على عالم أو ناصح) (سنن الترمذي 4- 537) وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح)، وأن لا يقصها على من لا يحسن التأويل، لقول مالك - رحمه الله -: (لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرا أخبر به، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت، قيل: فهل يعبرها على الخير وهو عنده على المكروه لقول من قال: إنها على ما تأولت عليه، فقال: لا، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يتلاعب بالنبوة (فتح الباري 12-430).

وقد نوه الأستاذ سلمان العُمري عن هذا الموضوع عبر خواطر أصابت المحز، حيث تناول قضية التعبير من مفهوم ناصح، وهو أنه ليس كل من نصب نفسه لهذا العلم هو أهل له، كما ذكر عن وجود أشخاص جعلوا من أنفسهم مفسرين للرؤى دون بصيرة وعلم، مما يوقع الكثير من الناس في حيرة وغم، ولم يكونوا كما ذكر عنهم القرآن حينما رأى الملك في قصة يوسف رؤيا أفزعته وأدخلت عليه الهم والكرب، وطلب من يفسر له رؤياه، فاعتذروا له، ولم يجد الملك جوابا إلا عند نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام، ولكن قد يوجد عند بعض المعبرين للرؤى فراسة تتيح له تعبير الرؤى، وهذا قليل، والشيء الذي يبعث في النفس الحسرة والندامة هو وجود بعض القنوات الفضائية التي تستغل مثل هذه الظروف النفسية عند الراغبين في التعبير، فتستغلهم ماديا، لذا فأنا أؤكد ما ذكره الأستاذ سلمان وأشد على يده في أنه ينبغي للمسلم الصادق أن يتقي الله تعالى، فلا يتلاعب بأخيه المسلم، فيبتزه ماديا أو معنويا، فينكد عليه حياته. فلنتوخى الحذر. والله أعلم بالصواب.

أ.د. سليمان بن صالح القرعاوي
أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالأحساء



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد