Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/10/2008 G Issue 13152
الاربعاء 02 شوال 1429   العدد  13152
من يقرض المتقاعد المسن إذا احتاج؟!
محمد علي الجارالله

لم أكد أصدق نفسي وأنا استمع إلى المسؤولين في البنك الذي استلم منه مرتبي التقاعدي وأنا أطرح عليه موقفا أردت منهم مساعدتي فيه وهو الاقتراض لشراء سكن، وكما سمعت من أن البنوك تقرض لشراء مساكن وخاصة المتقاعدين الذين أمضوا جل

حياتهم في خدمة الأوطان بكل إخلاص وتفانٍ وما عانوه من ضيق العيش وسكنوا بيوت الطين واللبن في القرى والمدن الصغيرة والمخيمات البرية عند اللزوم، والآن قد حلت البركة وزاد الخير وجاء حقنا في أن نتمتع فيما بقي من حياتنا، نجد نحن الأوائل أن لا حق لنا من هذه النعم الحاضرة ولا المستقبلية لأن هناك قوانين حددت أيام حياتنا وما تبقى لنا من عمر وأصبحنا على حافة القبر بالرغم من أن كثيرين يتمتعون بصحة جيدة ويستطيعون العيش حتى يسددوا ما يقترضون من البنك أو من شركات التسليف الأخرى أو من صندوق التقاعد الذي هو الآخر يقرض من عوائد التقاعد التي تصرفها الدولة رعاها الله وأدام عزة ولاة أمرنا وحفظهم الله من كل مكروه. البنك وصندوق التقاعد وغيرها حددت عمر المقترض بزمن يصبح الإنسان بعده غير موثوق به وعلى حافة الهاوية مهما كان وكيفما كان، فنصيبه من الماضي الحرمان والفقر، ومن الحاضر تقدم السن وحافة القبر. لقد أسقط في يدي وأنا أتساءل من يا ترى سيقدم لي المساعدة إذا كان بنكنا نحن المتقاعدون ومؤسسة المتقاعدين وصندوقه لا يقرضننا خوفاً من أن يذهب قرضهم مهب الريح ويضحك عليهم المقترض المسن الذي كثيراً ما يترك أسرة كبيرة تمسي غنية وتصبح فقيرة، وغالباً بلا مسكن. طالما أن البنك يؤمن على كل قرض لكل مقترض، فلماذا التفرقة وتحديد السن يا ترى؟ من للمسن والمتقاعد غير صندوقه ومؤسسته وبنكه ليسد حاجته ويقرضه عندما يحتاج؟ ولو من فوائد صندوق التقاعد. من للكادح بعد كده وكدحه غير ولي أمره عند عجزه ليرعاه ويساعده تقديراً لمشوار عمره وذرات عرقه الشريفة التي أسست مما نراه يده بالرجال الذين علمهم الرواد الأوائل من الأساتذة والتربويين والمشايخ والعلماء والمدرسين وعمروا تلك الصروح الشامخة التي أصبحت في عداد الآثار والتي تحكي الحضارات وأمجاد الأمة وهذه المعاهد والكليات على مختلف تخصصاتها مدنية وعسكرية التي بدأها الرواد الأوائل (المتقاعدون الآن).

لقد رعت دولتنا الكريمة بكل معاني هذه الكلمة كل أمر فيه خدمة للوطن والمواطن ورسمت الأفكار البناءة التي تساير العصر ولا تتقاطع مع مكونات هذه الأمة من دين ووطن وعادات وتقاليد شريفة وعفيفة. لقد سمعت الدولة ممثلة بقيادتها وعلى رأسهم سيد هذه البلاد ومجدد أمجادها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الملك الإنسان صاحب القلب الطيب الطاهر وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ذو الأيادي البيضاء التي سطرت وتسطر كل معاني الكرم والجود وتساند كل شأن فيه خير للأمة وأبنائها ورجالها وأصحاب السمو الأمراء الذين يقفون إلى جوار قيادتنا الغالية ليرعوا مصالحنا جميعا ويذودون عنا ضد من أراد الجور على أبناء هذا الوطن بقصد أو بغير قصد. لقد تأسست مصلحة معاشات التقاعد والتي طُورت لتصبح المؤسسة العامة للتقاعد رفعاً من شأنها وتقديراً لما يبذله المسؤولين فيها ولتزداد صلاحيتها وتتسع مجالاتها، والتقاعد كفل لصاحبه معاشا حدده النظام حتى نهاية حياته مهما طال عمره وبعد وفاته يبقى نصيباً لأسرته المحتاجة.

صندوق التقاعد يقرض ولكن بشروط، وهي عدم اقتراض المقترض من أي جهة أخرى وهذا يقع تحت طائلته الشباب وأقل من ثمانية وستين سنة، ونادراً ما تجد من لم يقترض، أما المسنون وبعد الثامنة والستون فلا يجوز إقراضهم لأن زمانهم انتهى أو أوشكوا على الرحيل، والبنوك أو الصناديق تخاف على أموالها من أن يذهب بها المتقاعدون المسنون فلماذا لا تخاف عليها من الأقل سناً ممن يتوفاهم الله وهم في أعمار مبكرة ويعفى ورثتهم من القروض؟! أوليس في ذلك ضيم وضير؟ أوليس في ذلك تجني في تحديد عمر الإنسان وإلغاء صلاحيته وهو حي؟.. كثيرون والحمد لله في بلادنا خاصة المعمرون فوق المائة فلماذا ثمانية وستون؟ ما هي المعادلة الاستباقية التي بُني عليها هذا الحدس، لماذا لا يشمل هذا الإعفاء هؤلاء المسنون بعد الوفاة أو تحسم أقساط السلفة من المعاش كأحد الورثة؟ إن ذلك مكافأة مفتوحة لمن عاش يخدم وطنه وأبناءه ومواطنيه ويورث الفضائل والتقاليد العريقة لا أعتقد ان أحداً بلغ سناً متقدمة ويطلب الإقراض إلا وهو مضطر ولم يجد في سابق زمنه مجالاً يستحق الإقراض إلا ما ندر وعاش على الكفاف (ومد رجليه قدر لحافه)، أما الآن فقد تغير الزمن ومتطلباته وكثر الأبناء والأحفاد وازدادت معهم المطالب والمتطلبات. أتطلع ومعي الكثيرون ممن يواجهون مثل هذا الموقف عند الحاجة ويكتشفون عندها أن الزمن تغير وأن لا مكان لهم بين مجتمعهم وأهاليهم وأن أيامهم باتت محسوبة وأنهم أصبحوا في أرذل العمر أو شأنهم شأن الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم.

ما هو المانع في إقراض المسن بعد الستين عندما يحتاج وهو في كامل قواه العقلية والجسمانية؟ كثيرون ممن بلغوا سن السبعين فما فوق كانوا هم الأسوة في جميع المجالات العلمية ومنهم من بدأ خدمته وهو في سن مبكرة أي الثانية عشرة والثالثة عشرة وجرى تسنيتهم فيما بعد ليواكبوا النظام واستمرت خدماتهم حتى أكملوا المدة النظامية للتقاعد ولم يبلغوا السن القانونية ومهما يكن فإن الذي خدم وطنه وبدأ مشوار العمل في سن مبكرة يجب مكافأته عند الكبر وإعادة النظر في هذه التحديدات فقد كانت ستون سنة ثم خمسة وستون وثمان وستون طبقاً للظروف. وأرجو أن تحذف هذه التحديدات ويكرم المتقاعدون بمنحهم قروضا من صندوق التقاعد تعاد لهم على أقساط شهرية ويعاملون مثل معاملة المقترضين من غير المتقاعدين في البنوك المؤمنة والتي تقرض بطريقة شرعية أجازها العلماء الشرعيين وجهات الاختصاص والمتقاعدون يلقون الرعاية وكثيرون منهم يشاركون في العمل لمتقاعدين في مجالات عملهم السابقة أو ما يشابهها وقد لقيت جمعيات التقاعد كل الدعم والمباركة من قيادتنا الرشيدة وفقها الله وأدام عزهم. بقي أن تفعل هذه الجمعيات والصناديق خدماتها لرعاية المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم وتوجيههم إلى المجالات التي يمكن الاستفادة والإفادة منهم وذلك بإحداث إدارة عامة ترتبط بالمؤسسة مهامها رعاية المتقاعدين والإفادة منهم بعد التقاعد كل حسب اختصاصه وما يتمشى مع خبراته وحتى لا يصبح مصير المتقاعد الترويح وانتهاء الصلاحية. والاستفادة من الأفكار المتداولة في الوقت الحاضر مثل جمعيات المتقاعدين وكذا الاستفادة من خبرات الدول الصديقة التي أثبتت أن المتقاعدين مصدر اقتصادي وخبرة وأساس لكل تطوير وازدهار والله الهادي إلى سواء السبيل.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد