Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/10/2008 G Issue 13152
الاربعاء 02 شوال 1429   العدد  13152
أنت
الإرسال والاستقبال للمعنى
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

الإرسال والاستقبال عمليتان متكاملتان.. وإخفاق أو ضعف أحدهما يعني إخفاقاً وضعفاً تجاه الآخر.. فلا يكفي أن يكون الإرسال ممتازاً بل يجب أن يكون الاستقبال ممتازاً أيضاً حتى تصل الرسالة بشكل ممتاز.

وجودة الإرسال يحكمها أمور كثيرة، من ذلك جودة اللغة المرسلة.. والمقصود بجودة اللغة هو مقدار إفهامها للمستقبِل للكلام.. بمعنى أن جودة اللغة تعني قدرة مستخدمها على استخدام الكلمات المناسبة لفهم المتلقي واستيعابه.. كما أن جودة الاستقبال تعني قدرة المتلقي الاستيعابية التي تعتمد على ثقافته وثقافة مجتمعه.

والتعريف المباشر للغة هي أنها دال على مدلول.. ولتحقق جودة الإرسال والاستقبال لا بد أن يكون المرسل والمستقبل متفقَيْن على الدال والمدلول.. أي متفقَيْن على المفردة ومعناها الذي تشير إليه.. المشكلة أن المفردة كدال والمعنى كمدلول يختلفان من فرد لآخر ومجتمع لآخر ومن بيئة لأخرى ومن زمن لآخر.. من هنا نفهم لماذا نهى علي رضي الله عنه عن اللجوء إلى القرآن لمجادلة المخالفين لأنه حمّال أوجه.. فهو لم يقصد أن للقرآن أوجه معانٍ مختلفة بل يعني أن أوجه الاختلاف هي في التلقي وفهم المتلقي.

والباحثون في كتب التفاسير يوردون تفاسير لا تتفق مع العقل ولا مع المنطق رغم أنها وردت في كتب تفاسير عظيمة.. كالتفسير الذي يقول إن العالَم قائم على قرني ثور مثلاً.. أو تفسير ابن عباس رضي الله عنه لآية (وجنة عرضها السماوات والأرض) وهو أن الله تعالى سوف (يقرن السماوات السبع والأراضي السبع كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض.. فذاك عرض الجنة)!.. وابن عباس صدر في تفسيره هذا من حدود معرفته ومعرفة البشر في زمنه.. لكن إنسان هذا العصر يعرف أن هذا الكلام وإن صدر من حَبْر هذه الأمة كلام لا يدل على فهم صحيح (حسب المستوى المعرفي لهذا العصر).

وهذا يقودنا إلى سؤال آخر وهو: من أين أتى ابن عباس بهذا التفسير؟.. لا شك أنه اجتهاد عالم يتفق مع علم زمانه.. وينطلق من المعنى الظاهر.. وإلا فإن الأرض نقطة صغيرة في فضاء كوني عظيم.

من كل هذا أنتهي (والله أعلم) إلى أن الإرسال والاستقبال محكومان بثقافة الإنسان - المرسل والمستقبِل - ثقافته شخصياً وثقافة بيئته وثقافة زمنه.. وبذلك فإن النص وإن كان محايداً فهو من خلال التأويل يحتمل العديد من أوجه التفسير.. ولا يستطيع أي إنسان أن يدعي أن لديه التفسير الصحيح وأن الآخرين مخطئون في تفسيرهم.. فالإنسان هو دائماً كائن منحاز له أهدافه ورغباته ودوافعه ومحفزاته التي يمكن أن تحول النص الثابت الجامد إلى نص متحول متحرك.. كما يمكن أن تحول النص المحايد إلى نص منحاز.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5913 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد