توصلت الدكتورة كاميليا عبدالفتاح في دراستها عن الأصولية والحداثة في شعر حسن محمد حسن الزهراني وهي دراسة تحليلية نقدية في خاتمة البحث إلى النتائج التالية:
* تثير هذه المجموعة الشعرية الماثلة بين أيدينا للشاعر حسن محمد حسن الزهراني إشكالية مهمة على صعيد النقد الأدبي والكتابة الشعرية هي مدى قدرة الشاعر المعاصر على الارتكاز في طرحه الشعري على قيم التراث، وأشكاله الفنية.
بل إن هذه المجموعة الشعرية تثير جدلية واسعة حول تحديد المسافة التي يجب أن يقف فيها الشاعر بين منطقة التراث ومنطقة المعاصرة. إلى أي حد يستطيع النهل من تراث الأنا - أي الذات - بقيمتها العربية والإسلامية، وإلى أي حد يستطيع الإفادة من تراث الآخر الغربي، وعلى أي أصعدة تكون الإفادة؟ من الجوهر والقيم والرؤى أم في تقنيات الأداء التعبيري؟
* شاعرنا إذن لا يعيد إلينا قضية الصراع بين القديم والجديد أو مدرسة التقليد والتحديث؛ لأن هذه القضية قضية اختيار بين كتلتين، بينما يثير هو في شعره قضية كيفية المصالحة بين الكتلتين، كيفية التضافر في نسغ واحد.
* وقد بينا من خلال هذه الدراسة النقدية أن الشاعر يرتكز في طرحه الشعري على أصولية في الفكر والرؤى والمبادئ. يرتكز على هذه الأصولية في تبنيه للمفهوم العربي القديم لدور الشاعر في المجتمع والواقع عامة، وهو يعكس إيمانه بهذا الدور في طرح قضية الوطن والتعبير عن توحده به وتغنيه بتفاصيل ملامحه، كالشاعر العربي القديم المخلد لملامح المكان.
* وهو ينطلق من ذات الأصولية في نحته للصورة العربية والإسلامية المثالية للبطل المعاصر، وفي تصويره لاغتراب المثال في مجتمع يحتفي بالمشاهير ونجوم التسلية السريعة.
* ينطلق من ذات المثالية والأصولية الإسلامية في طرح إشكالية الإنسان واصفاً تناهيه ومحدوديته وصراعه مع الوجود، طارحاً له طريقاً للخلاص هو إدراك موقعه من الوجود، وغايته فيه ثم الاستضاءة بقوة الخالق.
* تمتزج هذه الأصولية مع الرؤية المثالية المميزة للشاعر التي طرح من خلالها إشكالية الحب والصداقة، حيث صور الحب أساساً لعلاقته بكل أطراف الكون. واتسعت قصائده العاطفية بمفهومها التقليدي للدلالات الإنسانية بما يتسق مع قيم الإسلام وتهذيبه للإبداع الشعري.
* غلبت هذه الأصولية على تعبير الشاعر عن معاناته الإنسانية من مشاعر الاستلاب كالحزن والاغتراب، لأن موجبات حزنه واغترابه هي افتقاده للقيم المثالية في الواقع البشري والإنساني. كما هيمنت هذه الرؤية على طرحه لطرق الخلاص الممثلة في القصيدة ثم الشعر والحب بدلالته الواسعة.
وهكذا يتضح لنا الانسجام في الطرح الشعري في هذه المجموعة الشعرية المتميزة. إذ تبدو كل قضية في هذه المجموعة منسجمة متناغمة، فالعقيدة الإسلامية تفرض ذاتها على الشاعر في معالجته لقضايا الواقع الإسلامي، وفي نحت ملامح البطل العربي الإسلامي، وفي اعتبارها طريقاً للخلاص.
* كذلك يبدو موضوع الحب رؤية شمولية في فكر الشاعر، فالحب هو علاقته بالوطن، وبالمرأة، وبالأبناء، وبالشعر والصديق، وهو أحد طرق الخلاص من الحزن.
* إشكالية الإنسان أيضاً تبدو كلاً فكرياً منسجماً مهيمناً على جميع قضاياه الاجتماعية والإنسانية سواء في قضايا الواقع أو في القضايا الفكرية التأملية.
* المرأة في هذا الشعر لها منظومة متجانسة غير متناقضة في أجزائها، فموقف الشاعر منها موقف واحد كلي يهيمن على جميع قصائده، وهي محاطة بهالة من الإكبار والحب والثقة، هي مصدر الحياة والسعادة والأمن والحنو.
وفقد المرأة - في جميع صورها - عامل من عوامل شقاء الشاعر واغترابه وحزنه. هكذا المرأة في قصائده في رثاء والدته، وفي قصائد الحب، وفي قصائده في بناته، المرأة في جميع هذه الصور الاجتماعية هي معاً الأم والحبيبة والحياة والمهاد والشدو والحنو، والوجود بمعناه الفلسفي.
* وضعية الطفل في هذا الشعر وضعية فكرية ورؤيوية موحدة نطالعها على مدار هذه المجموعة الشعرية، فالطفل يعتبره الشاعر - ويتخذه - شاهداً على الواقع وإدانة له؛ لذا يفرد له بعض قصائده، وكثيراً من مقدمات قصائده موصيا إياه بحمل ميراث الهم الاجتماعي والإسلامي، والطفل في قصائد أخرى هو اليتيم المفجع بموت أمه، أو المختطف منها، أو المائت بين الجبال غفلة من المجتمع وقسوة منه.
* الطفل في هذا الشعر هو فاقد الفرح والبهجة، يهديه الشاعر في أول أيام قدومه إلى الحياة قصائده الحزينة ويهنئه بأيامه الدراسية الأولى مالئاً حقيبته بالهم الإنساني والإسلامي.
الطفل في هذا الشعر هو المعادل الفني للمستقبل الضائع، وهو المعادل الفني لحسن الزهراني المفجع بموت أمه، المغترب بعد موتها فيما يشبه الإسقاط النفسي.
إنه وسيلة الشاعر - الفنية والرمزية للتعبير عن الخاص والعام، أو عن تحول الخاص إلى عام، والعام إلى خاص.
* الشباب في طرحه الشعري فئة يقف أمامها الشاعر موقف المعلم والمربي والشاعر القائد والأب، فيشدو لها بلحن الوطن، وبقيم الدين، يستثير ممارستها منطلقا أيضاً من مثالية قيمية ومفهوم عربي إسلامي للحق والخير والجمال.
* وقد تضافرت هذه الأصولية القيمية مع الطرح الشعري الذي وظف فيه الشاعر تقنيات الأداء الشعري المعاصر للتعبير عن التجربة بما يعد حداثة في عناصر التعبير لا حداثة بمعناها المرتهن بالمدرسة الشعرية المعاصرة الحاملة لهذا الاسم.
* تتبدى لنا هذه الحداثة في تميز المعجم الشعري للشاعر، وإفادته من أساليب الأداء اللغوي المعاصرة كالتناص والمفارقة والسخرية والترميز، والتكرار والتنقيط، وكذلك في توظيفه للألوان المتنوعة للصورة الشعرية المتوالية والكابوسية المتشظية وذات المشهد المتجزئ.
* ومن خلال البنية الإيقاعية لهذا الشعر، عبر الشاعر عن تجاربه من خلال الصورة العروضية التقليدية للفراهيدي، وارتكز في الوقت ذاته على الصورة التفعيلية المعروفة بالشعر الحر، كما صور تجربته الشعرية من خلال تفجير طاقات الإيقاع الشعري والمقاطع الصوتية.
* وأفاد الشاعر في البنية المعمارية لقصائده من تقنية المشاهد السينمائية جنباً إلى جنب قصائده الغنائية الممتدة في عصب التراث الشعري العربي.
وقد استطاع التجديد من قلب القصيدة الغنائية فاستحدث لذاته ثيمة طللية جديدة مستوقفاً فيها الصحب على عادة شعرائنا القدامى، مستعيراً الصوت القديم بنبرة جديدة.
كما طرح في هذه القصيدة الغنائية مقدمات جديدة للقصيدة كمقدمات الحزن والاغتراب.
* وقد استثمر الشاعر طاقات الشكل الطباعي في إنتاج الدلالة الشعرية باعتبارها لغة شعرية معاصرة تضاف إلى اللغة التقليدية.
* استطاع الشاعر من خلال هذا الطرح الشعري المتميز أن يبرز قدرته على الوصول إلى المعادلة المرهقة للمصالحة بين الذات والآخر، والتوفيق بين الارتكاز على قيم التراث العربي، ومبادئ الإسلام من جهة، والإفادة من حداثة الأداء الشعري من جهة أخرى.
* هذه المعادلة هي همّ الشعراء المنشغلين بقضية التراث والمعاصرة، والتجديد والتقليد.
وهي همّ المثقفين عامة في طرح قضية الصراع بين الحضارات، وإشكالية العولمة، وكيفية التصدي للغزو الثقافي المغاير، وكيفية المصالحة بين تراث الأنا وتراث الآخر دون استغراق في الذات يؤدي إلى غيبوبتها وغيابها عن المعاصرة، ودون استغراق في الآخر يهدد الذات بتلاشيها وذوبانها واستلاب شخصيتها.
د. كاميليا عبدالفتاح