Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/10/2008 G Issue 13162
السبت 12 شوال 1429   العدد  13162
يارا
على الفطرة
عبد الله بن بخيت

كثير من الحكم لا تستهويني. توغل في المثالية. أقوال رنانة لا يستفيد منها من هو في حاجة إليها. يرددها الكبار والأقوياء ويتلقفها الصغار والضعفاء. محتاوها في غاية المثالية. لا تصلح في معظمها إلا للمستجدين على الحياة. كنصوص الكتب المدرسية. ينتظر الأذكياء من الطلاب الخلاص منها لكي يبدأوا الحياة الحقيقية ويبقى الطلاب الطيبين يرزحون تحت ثقلها بقية حياتهم. لكن بعض الحكم يجعلني استمتع إذا جاءت جديدة ومفاجئة. أتعامل معها كبيت شعري.

قبل عدة أيام قرأت واحدة من تلك الحكم. ليست حكمة بالمعني الصحيح. هي قول لمشهور أو معروف يردده الناس لطرافته أو لذكاء محتواه أو كما هي حال بعض الحكم تختصر موقف من الموقف الشاملة. يقول وودي الن الممثل الأمريكي الشهير (تستطيع أن تعيش مائة عام شريطة أن تتخلى عن الأسباب التي دعتك لتحلم أن تعيش مائة عام). لكي تعيش أطول عليك أن تتخلى عن متع الحياة الحقيقية, وإذا كنت سأتخلى عن متع الحياة فلماذا أعيش مائة عام. لماذا أعيش أصلا.

نعرف أن أكثر الذين عاشوا طويلا هم أبناء القرى والأماكن النائية. الناس الذي لم تتح لهم فرصة العيش الحقيقية. لم يتذوقوا متع الحياة في المدينة وفي الثراء وفي السلطان. يصحو الفجر ويذهب إلى حقله على أطراف القرية ثم يعود قبل المساء يتناول عشاءه ثم ينام ويصحو في اليوم التالي ويذهب إلى حقله ويعود وينام, وهو على هذه الحال منذ مائة عام. يكتشفه صحفي كما يكتشف شيئا مدهشا أو حيوانا غريبا. يجري معه حوارا يريد أن يعرف منه السر. كيف عاش هذه المدة وكيف حافظ على صحته ومن أين جاءت هذه السعادة التي تطفو على محياه, فيكتشف أن الأخ العجوز عاش على اللبن والسمن وقليل من الخضروات وبعد أن ينهي المذيع أو الصحفي المقابلة يختمها بالتغني بحياة القرية الجميل الخالي من المنغصات والخالي من الكلسترول والخالي من الصراع والخالي من كل شيء. يتحدث عن البساطة والطيبة ثم يتوقف قبل أن يقول إن حياة هذا الرجل الطويلة كانت خالية من الحياة وإن وجوده وعدمه واحد حتى ولو عاش ألف سنة.

أن تبقى طافيا على ظهر الأرض شيء وأن تعيش الحياة شيء آخر. حياة القروي هذه ليست خيارا اختاره هذا القروي بين مجموعة من الحيوات المتاحة أمامه. إنها الحياة الوحيدة التي وقع في شركها.

يذكرني هذا الصحفي بالمستكشفين الأوروبيين عندما يأتون في القرون الماضية إلى الأماكن النائية ويتعرفون على حياة القبائل أو الشعوب البسيطة أو البدائية ثم يمدحونها في تقاريرهم الصحفية أو السياسية. يمدحون طريقتهم في صيد السمك أو تربية الحيوانات أو استخراج الماء من الأرض. يصفونها بالذكاء الفطري. كلمة فطري بقدر ما هي مديح للرجل البسيط هي تحقير لرجل الحضارة. المسافة بين الإنسان والحيوان تكمن في هذه الكلمة.



Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد