Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/10/2008 G Issue 13162
السبت 12 شوال 1429   العدد  13162
توطين الاقتصاد خيار إستراتيجي
عبد العزيز السماري

الاقتصاد ليس نظرية علمية يتم إثبات نتائج تجاربها الميدانية في المختبر، وليس تخصصاً علمياً صرفاً لا يفهمه إلا حملة شهادات التخصص فيه، لكنه حسب وجهة نظري أحد أهم شئون الحياة..

وشريان تصل تأثيراته وتطبيقاته إلى مختلف فئات المجتمع... يتحقق في ازدهاره الاستقرار، وتسقط في تدهوره المنظومة الاجتماعية وتنحل الأخلاق وتنتشر الجريمة بين الناس، وأرى أن متابعة شؤونه والمشاركة في الحوار في تطبيقاته ليس حقاً محتكراً على المتخصصين في هذا المجال الحيوي، بل هو حق لكل المستفيدين والمتأثرين من تطبيقاته وحركة دورانه الاجتماعية، وسيكون في غاية الخطورة إذا احتكرت منافعه فئة محددة قد تكون على سبيل المثال طبقة رجال الأعمال أو من يملك النفوذ في المجتمع..

الاقتصاد دورة اجتماعية من المفترض أن تصل منافعها إلى الجميع، أن تحرص على الفقير مثلما تحرص على الغني ورجل الأعمال، والاقتصاد كائن قد يصبح سلطة مفترسة ومتحررة من القيود ومصالح الناس والوطن إذا كان يعمل فقد من أجل مصالح رجال الأعمال والشركات العالمية التي أصبحت قدراً متسلطاً على رقاب العالم في عصر العولمة وحرية التجارة، وأظن أن حال العالم في هذه الأيام يحكي بمرارة قصة نهاية عصر التجارة العالمية، أو اختلال موازينها بسبب تحرر هذه العولمة من مرجعية الأخلاق ومصالح الأوطان..

الاقتصاد الصالح هو الذي يظل محروساً بمصالح الوطن والمواطنين، ولا يعني الانغلاق ضد الخارج، ولكن لا يكون ليبرالياً أكثر من إيمان كهنة الليبرالية بتحرره المطلق في الغرب، وإذا سقط مبدأ (الوطن أولاً) في منافعه يسقط الاقتصاد ويصبح الوضع كما الحال الآن في العالم هروباً في كل اتجاه، فرأس المال جبان إذا فقد ثقته في النظام، ويهرب من أقرب الأبواب إلى الخارج، لذا من الخطأ الجسيم أن يكون مستقبل الوطن وخططه التنموية في ظل حكم رأس المال أو في تقديم مصالحه على مصالح الوطن، وينتظر العالم في ظل الاختلال الحالي لموازين الاقتصاد الأمريكي كساد وتدهور على مختلف المستويات، وسيكون الخاسر الأكبر هو الدول الفقيرة والطبقات الأكثر فقراً.. لذا لا بد من حراسة المصالح الوطنية من تأثيرات سقوط الهرم الاقتصادي الأمريكي وفك الارتباط بقوة اقتصادية في طريقها للانحسار..

لا تستقيم عادةً نتائج اقتصاد متحرر من القيود الوطنية ويهوى اجتياح مكاسب الأعمال والحرف والمهن التي يعيش من محصولها المواطنون، والذي تكون أحد مهماته أولاً إخراجهم من السوق، وهو ما حدث بالفعل على أرض الواقع إذ أخرجت الشركات الزراعية الكبرى والدخول العشوائي لرجال الأعمال إلى ميدان الزراعة صغار المزارعين التقليدين من العمل في هذا الحقل ليتحولوا إلى مجرد مستهلكين من دخل الضمان الاجتماعي، ويتميز رجال الأعمال بقدرتهم في الحصول على جل المنافع بسبب قوة نفوذهم ويساعد تفوقهم المالي غير المحدود على تحمل الخسائر في سبيل احتكار السوق، والذي تعد نتائجه كارثة بكل المقاييس، وقد حصل شيء مثل هذا إذ توقف المزارعون الصغار عن حرث الأرض وإنتاج المحاصيل، والسبب كان إغراق السوق بمحاصيل المشاريع الزراعية العملاقة..

الجدير بالذكر أن بعض رجال الأعمال والشركات المالية القابضة تستمتع بدخول مختلف المجالات ثم العمل على احتكار محاصيلها، فهذه الشركات المالية تملك القدرة على استقدام أفضل المزارعين من الدول المجاورة ثم إطلاقهم للعمل في مشاريعها العملاقة المحلية، فالسوق حر ولا توجد حماية لصغار المزارعين من المواطنين..

كذلك قضية اجتياح العلامات التجارية العالمية للسوق المحلية، وما تؤدي إليه من تأثيرات سلبية جداً على فرص العمل للمواطنين وعلى درجة حماسهم ثم إقدامهم على بدء تجارب المشاريع الصغيرة، إذ تتميز هذه الشركات العالمية بخبرتها العريقة في السيطرة على السوق ثم طرد المشاريع الصغيرة منه، وهو ما يجعل ميدان المنافسة غير متكافئ، وغالبا ما تجد هذه الماركات العالمية الغطاء الكامل لدخولها للسوق عبر كفالة رجال أعمال متنفذين مقابل نسبة من الأرباح، وهو ما يتطلب وجود حماية لمشاريع الصغار من غزو الماركات التجارية، والعمل على الحد من توسع هذه المشاريع، والتي تجدها في مختلف الخدمات سواء الفندقية أو سلسلة الأسواق العالمية والمطاعم وغيرها.. أو على الأقل حصر مجال عملها في المدن الكبرى، وترك مهمة تقديم الخدمات لأهالي القرى والضواحي.. وذلك من أجل إدخالهم إلى عالم الاستثمار بدون منافسة ماركة تجارية عالمية، وهذا يجب أن لا يعني عدم مراقبتهم لرفع مستوى الجودة في الخدمات المقدمة من قِبل مشاريعهم الصغيرة..

أيضاً من المفترض أن يكون مجال الاستثمار الأجنبي في خدمة المجتمع، لكني إلى الآن أجد صعوبة في إدراك كيفية الفائدة التي ستعود على المجتمع إذا كان رأس المال أجنبياً والعمالة مستوردة وعوائد الاستثمار تنتقل إلى الخارج، وهل قدرنا أن نظل للأبد مجتمعاً استهلاكياً يقتصر دوره فقط على شراء منتجات الشركات العالمية ومصانع الاستثمار الأجنبي المحلية، والتي تُدار بإدارة مستوردة وتعمل بعمالة أجنبية.. ثم تنقل عوائدها إلى بنوك خارج الوطن.. كم نحن في حاجة إلى مواجهة أنظمتنا الاقتصادية..!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد