Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/10/2008 G Issue 13163
الأحد 13 شوال 1429   العدد  13163
شيء من
زمان (السيكل) وزماننا
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

قبل خمسين عاما، أي في عام 1379ه صدر ترخيص في وثيقة بخط اليد تسمح لأحد المواطنين بقيادة الدراجة الهوائية (السيكل) من هيئة الأمر بالمعروف في بريدة هذا نصها: (صدر السماح ل(فلان بن فلان) باستعمال السيكل للضرورة إلى ذلك (!) من بيته إلى الدكان (...) وما عدا ذلك فلا يكون له رخصة إلا بشغل لوالده.. بشروط أن لا يخرج عليه بالليل، ولا خلف البلاد، ولا يردف عليه ولا يؤجره ولا يدخل عليه وسط الأسواق)! وقد جرى تداول هذه الوثيقة في بعض مواقع الإنترنت مؤخرا.

طبعا مثل هذه الشروط الاحترازية التي وضعتها السلطة المخولة آنذاك بإصدار التصاريح لم تمنع دخول الدراجة الهوائية أو (السيكل) إلى مجتمع كان يرفض كل ما هو جديد. هذا الرفض، أو الحساسية، أو الممانعة، تكررت في صور شتى، لعل آخرها تحريم مشاهدة الفضائيات، التي لم يمض على فتوى تحريمها عقد من الزمن، وها نحن نرى من كانوا يعملون بكل جد ونشاط وهمة لنشرها في المساجد، وفي المدارس، بل ويدسونها من تحت أبواب المنازل، يتنافسون على (الترزز) في هذه القنوات، ونسوا -أو تناسوا- أنهم كانوا (يوما ما) يصفون من يقتني دشا بأنه (فاجر)، وربما بالغ أحد المندفعين منهم ووصف مقتني الدش ب(الدياثة)!.

ومثلما نتندر اليوم، وترتسم علامات التعجب على وجوه الصغار منا، ونحن نقرأ ترخيص (السيكل) والشروط (الاحترازية) التي وضعها مصدرو الترخيص على قيادته مرغمين و(للضرورة) كما جاء في الترخيص، فأنا على ثقة أن أحفادنا سيتندرون علينا، وهم يقرؤون حواراتنا حول بعض القضايا التي هي محور نقاشاتنا اليوم، مثل قيادة المرأة للسيارة، وتحريم عملها بحجة تحريم الاختلاط، والبرقع ذو العين الواحدة، فكما علمنا التاريخ، أن الذي لا يقرأ التاريخ، ولا يعتبر به، ولا يتعلم منه كي لا يكرر أخطاء أسلافه، سيظل دائما وأبدا يكرر هذه الأخطاء، وهذه إحدى العلل التي نتوارثها نحن السعوديون جيلا بعد جيل، ولا نقبل التفريط فيها أبدا.

ربما نجد مبررا لمن كان يرفض كل جديد في السابق، لأن التعليم آنذاك كان (كتاتيبياً) ولم يكن منهجياً، غير أن انتقالنا من عصر الكتاتيب إلى التعليم المنهجي لم ينعكس على توسعة الرؤى والوعي والتعامل مع القادم الجديد بروح تواكب العصر؛ فقد ظل الأبناء ليس كالآباء فحسب وإنما كالأجداد، بل ربما أكثر منهم تشددا وتزمتا؛ اقرؤوا -مثلا- البيانات والآراء والأفكار التي يصدرها بين الحين والآخر بعض من يحمل شهادة الدكتوراه من طلبة العلم الديني، ثم قارنوا ما يطرح فيها من (ممانعات) بممانعات من حرم السيكل، والبرقية، والتلفزيون وأخيرا الأطباق اللاقطة للقنوات التلفزيونية الفضائية، تجدون أن القوم ما زالوا يكررون أخطاء أسلافهم بتطابق غريب، رغم التعليم المنهجي.

وكنت قبل قرابة العشرين عاما في زيارة تجارية لليابان، وقد دار بيني وبين أحد اليابانيين ممن سبق له العمل في شركة الزيت العربية حوار حول عمله في المملكة، وكان يؤكد أن التعليم هو (الحل)، وأن دواء التخلف يكمن في التعليم، وعليكم -كما كان يقول- بالصبر والأناة وعدم الاستعجال. وعندما أقرأ اليوم ممانعات بعض المتعلمين تعليما منهجيا عاليا، وأقارنها مع أولئك الكتاتيبيين -رواد (الممانعة) آنذاك- أجد أن التعليم الذي يعتبره صاحبنا الياباني (شرط كفاية) للهروب من التخلف، يفشل فشلا ذريعا في اختراق العقلية المتخلفة؛ فما زالت العصا أخت العصية، والليلة كالبارحة، ولا فرق إلا في الشكليات ليس إلا.

والغريب أن البعض ما زال يعتقد أننا المتفوقون، وأننا الأفضل، وأن صفة (التخلف) التي تلصق بنا، هي مؤامرة من مؤامرات (الصليبيين) قبحهم الله، ويدعون أننا مازلنا (خير أمة أخرجت للناس). نعم كنا كذلك، ولكن شرط الخيرية مرتبط (بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، و(التنمية) هي من أسمى صور الأمر بالمعروف، كما أن (التخلف) هو من أهم (المنكرات) التي يجب إنكارها. ولأننا فرطنا في ذلك، فرطنا في (خيريتنا) كأمة.. إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد