Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/10/2008 G Issue 13170
الأحد 20 شوال 1429   العدد  13170
تعليم21
هل المشقة شرط لازم لتحقيق النجاح؟
د. عبدالعزيز العمر

ليس بالضرورة أن تكون المشقة شرطاً لتحقق النجاح. يقول الدكتور علي الوردي اعتدنا للأسف أن نسمع بعض المقولات الغريبة من أولئك المغرورين المتعالين الذين خدمتهم فرص الحياة والأوضاع الشاذة السائدة في مجتمعهم فحققوا بروزاً ونجاحاً، هؤلاء يقولون لنا دائماً إن المثابرة والإرادة والصبر والكفاح كانت وراء نجاحنا. إن الذين وصلوا إلى مناصب عالية يتبجحون دائماً أمام المساكين بقولهم إن ما حققناه من نجاح كان بفضل سعينا الدؤوب وكدحنا وقوة إرادتنا، متناسين أن الصبية الكادحين الذين يحملون الحصى فوق ظهورهم في هجير الصيف هم أكثر منهم صبراً وكفاحاً. بل إن بعض هؤلاء المتبجحين بنجاحهم يذكّروننا دائماً ببداياتهم الحياتية الضعيفة المتواضعة لكي يقنعونا بالقفزة الكبيرة التي حققوها. الواقع أن للنجاح عوامل أخرى غير تلك التي يتبجح بها الناجحون عادة. من النادر في هذه الحياة أن تجد شخصاً وضع لنفسه خطة فسار عليها خطوة بخطوة فحقق ما يبتغيه من نجاح، إن الحياة بطبيعتها هي أكثر تعقيداً من أي خطة، متغيِّرات الحياة وتبدلاتها تجرف الفرد في اتجاهات عديدة وغير متوقّعة، فإذا حقق بالصدفة نجاحاً طفق يلوم الآخرين على تقاعسهم وضعف هممهم وإرادتهم.

إن تأكيد أهمية الصبر والكفاح والإرادة في تحقيق النجاح سيكون نافعاً ومجدياً بلا شك في تعليم وتربية اليافعين، فذلك يحرضهم على مواصلة العمل الجاد، ولكن ربط النجاح مباشرة بالسعي الجاد وبصلابة الإرادة لا ينطبق تماماً على مجريات الحياة، لا أحد يستشهد بدور الإرادة والكفاح في نيل النجاح إلا من أصابهم غرور النجاح ونسوا أن هناك عوامل خفية ساعدتهم على النجاح. عندما يرانا الناجحون منصتين لهم تجدهم يتباهون ويتحذلقون في القول أمامنا موعزين نجاحهم إلى سعيهم الدؤوب وإرادتهم وصبرهم.

يقول الدكتور الوردي إن الحياة بطبيعتها تقدّم لنا جميعاً فرص النجاح، والذين يعتقدون أن النجاح يأتي على قدر المشقة قد لا يغتنمون ولا يستثمرون الفرص السهلة حين مرورها، بل إنهم لا يقدّرون قيمتها غالباً إلا بعد فواتها. إن الذين يتصورون أن النجاح في الحياة هو ثمرة الجهد الشاق فقط لا يصدّقون أن النجاح يمكن أن يأتي نتيجة استثمار فرصة عابرة. وعندما ننظر في شريعتنا الإسلامية نجد أن النجاح الأخروي لا يتحقق بالعمل الشاق المضني للفرد، ألا تذكرون ذلك الإعرابي الذي قال إنه سيؤدي الحدود الدنيا من العمل الموصل للجنة فوافقه رسول الهدى على ذلك عندما قال (أفلح إن صدق). الإرادة لا تكون نافعة إلا إذا عرفنا متى نلجأ إليها، عظماء التاريخ هم أكثر الناس سعياً وقوة إرادة، لكنهم اعتادوا أن يستريحوا ويسترخوا بعد العمل الشاق، تاركين عقولهم وخيالاتهم تسرح كما تشاء. تذكّروا أن العبقري يكون قوي الإرادة متى شاء، ويكون مسترخياً كسولاً متى شاء، وتجده يخطف أوقات من لحظات استرخائه وخموله ليتأمل بعمق فيما حققه وفيما يتطلع إلى تحقيقه. باختصار يحقق الفرد نجاحاً عندما يستثمر فرصاً عابرة قبل فواتها، وعندما يتأمل وينصت باهتمام شديد إلى الصوت القادم من عالمه الباطن اللا شعوري، فمثل هذا الصوت هو الوقود الحقيقي المحرك نحو النجاح. تذكّروا أن الحرص الزائد وشدة الإرادة والمبالغة في الدقة قد يكون مدمراً لجودة العمل. الناجحون والمبدعون ينغمرون في عملهم دون مشقة وتكلّف ودون أن يكونوا قلقين على النتائج.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5728 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد