Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/10/2008 G Issue 13170
الأحد 20 شوال 1429   العدد  13170
أما بعد
إفلاس.... وتكلف
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

للفن أهمية وقيمة، وله دور مقدر معتبر، وله أدبيات ومسلمات، وأنواع ومجالات، أبدع فيه نفر وتفوقوا، وبقوا في ذاكرة المجتمع لأنهم جادون محترمون ملتزمون، قدموا أعمالا جادة نبيلة هادفة محترمة، أعمالا راقية بناءة متوافقة مع ثوابت المجتمع وقيمه ومسلماته، بعيدة كل البعد عن التهريج والتمييع والإسفاف.

ولا يخفى أن للفن رسالة، وأن له أثرا وتأثيرا في تشكيل الرأي العام وتكوينه، وفي معالجة المشكلات، وتقويم الأخطاء، وتعرية الفساد، وباختصار للفن دور رئيس في إصلاح المجتمعات ونهضتها، ولهذا لا يمكن أن يغفل دوره، أو ينكر أثره.

والفن مثل غيره من الأعمال البشرية، لا يمكن أن يرقى إلى درجة الكمال، ففيه غث وسمين، والمتابع لما عرض ويعرض تحت هذا العنوان، وأخص مجال فن الغناء والتمثيل يتبين له أن الغث فيه أكثر من السمين، وأنه أضحى مرتعا لأناس يلهثون وراء الشهرة والمال، والشواهد المؤكدة والدالة على هذا كثيرة يصعب حصرها والإحاطة بها، فقد طغت على نتاج هذا المجال مظاهر التفسخ والانحلال والتعري، ومداعبة الغرائز، وإثارة الشهوات.

ويتحمل وزر هذا الإسفاف والإفلاس، وتشجيعه على التمادي والتماهي، ملاك بعض القنوات الفضائية والقائمين عليها حيث فتحت الأبواب مشرعة لكل من هب ودب، من هابط الأعمال، وساقط الأقوال، ولكل من يتفنن ويبالغ في ابتكار صور التعري الفاضح (المادية والمعنوية)، المادية التي تتمثل في المبالغة في تعرية الجسد وإظهار مفاتنه، والمعنوية التي تتمثل في تحدي قيم المجتمع وأخلاقه، وهدمها وتحطيمها، ولهذا غصت الساحة بغثاء مكرور، وهراء ممجوج، من فنانين من الجنسين، أقل ما يمكن أن يوصفوا به، أنهم في واد، والفن المحترم في واد آخر، وأنهم لا يستحون ولا يخجلون، ولا يكفون عن إيذاء أذواق الناس وإزعاجهم، وجرهم إلى مهاوي الردى، وساقط القول والفعل، والمؤلم أن هؤلاء يتبوأون مكانة عالية في أذهان العامة، مكانة لا يستحقونها حتى مع تطبيق الحدود الدنيا لأبسط المعايير القيمية والأخلاقية، والسبب في ذلك إحاطة هؤلاء بالأضواء والاهتمام في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، والسؤال عن أدق التفاصيل في حياتهم وسلوكياتهم، وكيف يأكلون ؟، ومتى ينامون ؟ !.

ومن غرائب بعض الفنانين السعوديين وعجائبهم الإصرار على تقديم أعمال هزيلة متكلفة مكرورة سطحية عديمة المعنى والفائدة، بل إن بعض ما يقدمونه يحمل ويوحي إلى مضامين تهدم وتسيء، تشوه وتضر، أكثر مما يظن أنها تفيد وتنفع، وليس هذا مقام تناولها، ونقدها، ومن عجائب أعمالهم اعتبار شهر رمضان مناسبة لإضحاك الناس وتسليتهم، وكأن شهر رمضان مناسبة حزن واكتئاب، وما علموا أنه شهر تأنس فيه النفوس وتسعد، وتقبل فيه على ربها فرحة مسرورة، وتتواصل معه بقراءة القرآن، وقيام الليل والتهجد فيه، والبذل والصدقة، والحرص على الطيب من الأعمال والأقوال، وأن الناس ليسوا بحاجة إلى ترهات، لأنهم يعيشون مناسبة أسمى وأكرم مناسبة تغذي الوجدانات وتملؤها فرحا وشوقا وسعادة.

لهذا لعل العقلاء من هؤلاء الفنانين يرقون بأعمالهم المستقبلية إلى مستويات محترمة شكلا ومضمونا، وأن يضعوا ثوابت المجتمع وقيمه وخياراته التي يؤمن بها نصب أعينهم وهم يخططون لأعمالهم القادمة، وعليهم أن يدركوا أن للمشاهدين عقولا راقية عاقلة تميز بين الغث والسمين، بين الجد والهزل، وأنهم لن يقبلوا ولن يسمحوا بحال أن يعبث مراهق أو جاهل، أو طالب شهرة أو مال، بالثوابت والمسلمات التي يؤمنون بها وارتضوها طائعين مقتنعين.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد