Al Jazirah NewsPaper Monday  20/10/2008 G Issue 13171
الأثنين 21 شوال 1429   العدد  13171
مستقبل القصيم الاقتصادي
ماجد بن ناصر العُمري

غداً الثلاثاء يتجه الناخبون من رجال الأعمال في منطقة القصيم لانتخاب من يرونه مناسبا لعضوية مجلس ادارة الغرفة التجارية الصناعية بالقصيم، ولعله حدث مناسب للحديث عن حاجات المنطقة وما تحتاجه مدينتها الأكبر مدينة بريدة (المدينة الاقتصادية العريقة) للتطوير والتنمية، تلك المدينة التي رفدت بلادنا العزيزة بالكثير من رجال الدولة والفكر والمال والأعمال.

خاصة وأنه قد أُعلن عن إنشاء أكثر من مدينة اقتصادية في المملكة، وهي مشاريع رائدة وعملاقة تستحق التشجيع والتقدير، إلا أن هذا بالتأكيد لا يعني أن نغفل ما هو أهم وهو تطوير المدن ذات الموروث الاقتصادية (كمدينة بريدة) التي لها تاريخ اقتصادي عريق يمتد لقرون عديدة حيث الحركة التجارية المحلية والدولية بدءًا من (تجار العقيلات) التجار الرحل الذين كانوا يسافرون للتجارة في بلاد الشام والعراق ومصر وشمال افريقيا منطلقين من مدينة بريدة ومن (سوق الجردة) تحديداً.

نعم فالقصيم عموما وبريدة على وجه التحديد يمتلك أهلها الموروث الاقتصادي الذي يؤهلها للانطلاق المتسارع لتحقيق الأهداف التنموية الاقتصادية وما يترتب عليها من تنمية ثقافية واجتماعية أكثر من غيرها، وهنا بيت القصيد.

ولا أقول إن الحكومة أهملت مدينة بريدة في ظل الفكرة القائلة بتطوير المدن الاقتصادية، فلقد حققت مدينة بريدة قفزات اقتصادية كبيرة في ظل التنمية العظيمة التي حدثت في بلادنا الغالية وهو ما نستشعره جميعا، ولكن وفي ظل ما يدعيه البعض أن أهالي القصيم حصلوا على ما لم تحصل عليه الكثير من المناطق الأخرى أقول أين موقع بريدة حالياً من الرياض وجدة والدمام ومكة والمدينة؟ وما هي مكانتها الاقتصادية بينها؟ وأين المشاريع العملاقة عن بريدة كغيرها من هذه المدن الرئيسية؟ أليس من الأولى تطوير بريدة اقتصاديا وهي التي يمتلك سكانها البنية الثقافية الاقتصادية اللازمة بدل أن نطور مُدناً اقتصادية جديدة بمشاريع عملاقة تشمل خططاً لأبراج تجارية سكنية وسياحية ومشاريع اسكانية ضخمة ومناطق صناعية وتقنية وتعليمية ومعرفية وخدمات مساندة ثم نحاول ان نجتذب لها السكان لنبني تركيبةً اجتماعية غير متجانسة عبر إقناعهم بالانتقال إلى هذه المدن الجديدة كمستثمرين وموظفين، ونغفل عن المدن الاقتصادية عريقة الإرث الاقتصادي كمدينة بريدة وقبلها جدة والشرقية، وكأنني في هذه الحالة أشاهد علامات التعجب والحسرة على عيون هذه المدن!.

بعد تأملي لهذا الواقع العجيب تذكرت مقولة المفكر الكبير (مالك بن نبي) حينما قال (إن الحضارة لا تُنتزع انتزاعاً) وكأنه يقصد بأن المال لا يأتي بالحضارة، بل يأتي بالمدنية أي بالأشكال التنموية، ولكنها لا تكفي لوحدها، ولنا في دبي خير دليل على ذلك فها هي دبي تقدم لنا أصدق مثال تنموي كبير ومهم جداً كقيادة وإرادة حقيقية وإبداع تنموي (شكلي) ولكنه من غير حضارة مبنية على قيَم وهوية وعقيدة مستندة إلى الموروث العربي والإسلامي مستفيدةً من العلوم والمعرفة الحديثة لبناء علاقات انسانية واجتماعية ذات هوية وحضارة حقيقية متكاملة ومترابطة، بل هي مجرد أشكال جميلة وقلبها فارغ كالزهرة البلاستيكية التي بلا روح أو رائحة، تبهرك للوهلة الأولى فقط! ثم ما تلبث أن تتحسر على حالتها الثقافية والاجتماعية وفقدان الهوية.

وهو ما يؤكد أهمية تحقيق الأبعاد الثقافية والاجتماعية لمجتمعنا المسلم، كما نرجو ان يتم تنمية المدن الاقتصادية العريقة التي لها تاريخ حضاري وفكري لا يحتاج إلا إلى شيء من الدعم والتشجيع والتطوير والتنمية الثقافية والاقتصادية.

وليسأل كل مواطنٍ سعودي نفسه، أين يوجد أكبر سوق للتمور في العالم؟ وأين يوجد أكبر سوق للإبل في العالم؟ وما هي المنطقة ذات الأهمية الاقتصادية والزراعية والفكرية ذات الموقع الاستراتيجي شمال الرياض، وما هي المدينة التي إذا سألت غالبية تجارها عن تجربته في خسارته الكبيرة قبل أن يستعيد تجارته من جديد سيقول لك أي خسارة تعني؟ الأولى أم الثانية أم الأخيرة؟ والتي تعبِّر عن الهمَّة التجارية والطموح الكبير الذي لا توقفه خسارة، وستكون الإجابة لكل هذه التساؤلات مدينة بريدة.

ولو بحثت في التاريخ السعودي وعن أول رحلة قام بها الملك عبدالعزيز رحمه الله بالطائرات التي وصلته كهدية من (روزفلت) فستجد أنه توجه بها إلى مدينة بريدة وذلك عام 1364هـ، وفور وصوله أمر بإنشاء مطار بريدة.

وإذا علمت كل ذلك أظنك ستقول إذاً لماذا لا يوجد مطار دولي في منطقة القصيم؟! ولماذا نسمع عن طريق بريدة مكة السريع وطريق بريدة الجبيل السريع ولا نجد شيئاً على أرض الواقع؟ ولماذا لا يتم تهيئة المدينة لإنشاء مشاريع تجارية وإسكانية وسياحية وصناعية كبرى؟ نسمع أجوبة كثيرة، فالبعض يبرر بضعف مسؤولية المسؤولين وضياع أوقاتهم بتسيير الأعمال، أما التفكير في التنمية والتطوير فذلك ليس من شأنهم بحال من الأحوال، وكذلك الاجراءات البيروقراطية الحكومية فالرخص لا تخرج منهم إلا بعد سنوات تدفع برجل الأعمال لإلغاء مشروعه والانتقال به الى دبي حيث المميزات والمرونة بدل الشروط والتعقيدات، أو أنه هرب بماله إلى المضاربة في الأسهم والأراضي لتوليد المال من المال دون تقديم منتج يساهم اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً والحقيقة اننا ننتظر من الغرفة التجارية وأمانة المنطقة وغيرها من الجهات المسئولة جهودا كبيرة في مسارات إستراتيجية رئيسية كدعم الشركات والمؤسسات بدلاً من الاهتمام بالمهرجانات؟! وتعظيم اهتمام الهيئة العامة للاستثمار لتعزيز الاستثمارات في المنطقة، والتنسيق مع وزارة الزراعة لدعم الشركات والمؤسسات الزراعية في المنطقة لتعزيز مكانة المنطقة (كسلة غذاء المملكة) كي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي لبلادنا، وتشجيع الأنشطة الثقافية خاصة وأن المنطقة تزخر بالكثير من رواد العلم والفكر في المملكة منذ زمن، والعمل على تسريع ربط منطقة القصيم بشبكة طرق فضلا عن ربطها بالسكة الحديدية الجديدة، وكلي أمل ورجاء أن نعمل معا بصدق لتطوير منطقة (القصيم) التي قال سمو ولي العهد حفظه الله في إحدى زياراته لها بأن (المملكة جسد، والقصيم تمثل القلب بالنسبة لهذا الجسد الغالي) وأقول إن صلاح القلب يؤدي لصلاح الجسد.

كاتب ورجل أعمال


majed@alomari.com.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد