Al Jazirah NewsPaper Wednesday  22/10/2008 G Issue 13173
الاربعاء 23 شوال 1429   العدد  13173
يارا
من هو العالم الثالث
عبد الله بن بخيت

كثير من الأسئلة لا يأتي جوابها سهلا وسريعا ولكن (في ظني) الإجابة على الأسئلة الصعبة أسهل من الإجابة على الأسئلة التي يبدو جوابها بديهيا وسهلا لأن هذه الأخيرة قد تكون مخادعة ومغررة. نتبنى في حياتنا اليومية أجوبة خاطئة. ترديدها يجعلنا نتبناها على أساس أنها صحيحة. من الأسئلة التي تشغلني كثيرا ولا أجد لها جوابا كافيا: كيف تقدمت شعوب على شعوب وما هي الأسباب التي دفعت شعوباً لتكون متمدنة وشعوباً أخرى بقيت ترزح تحت وطأة التخلف؟ استخدام كلمة شعوب في هذه العبارة وحدها يحتاج إلى نظر (كما سنرى بعد قليل) ولكنها صيغة أصبحت مقبولة. مع الأسف صارت هذه الصيغة تقود التفكير وتقترح الحل. من هو العالم الثالث؟ إذا استثنينا أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية واستراليا وإلى حد ما ماليزيا, سنرى أن بقية الأمم هي العالم الثالث. عندما تكون في لندن من الصعب أن تشاهد واحداً يوقف سيارته خطأ. وأقرب إلى المستحيل أن تشاهد أحدا يقضي حاجته في حديقة عامة أو في الخلاء. أو صيدلي يبيعك مضادا حيويا بدون وصفة طبية. إذا شعوب أوروبا وأمريكا واليابان واستراليا متمدنين والبقية همج. اكتشفت يوم أمس الأول أن هذا الجواب من الأجوبة السهلة والمخادعة. لن أذهب بكم بعيدا لأثبت لكم أن هذا الجواب ليس صحيحا.

قبل يومين كنت في سوق الجوالات القريب من مقر شركة الاتصالات. لا يمكن أن تجد موقفا لسيارتك فدخلت في الحارات. وقبل أن أوقف سيارتي لاحظت أكثر من رجل يقضي حاجته في أرض فضاء. شعرت بالاشمئزاز. في لحظة جاءني التصور الجاهز والمريح فقلت في نفسي: عالم ثالث بحق. مثل هذا يحدث في الهند وفي مصر وفي اليمن ولكن لا يمكن أن تشاهد مثل هذه المناظر في لندن أو مونتريال أو باريس. في تلك الأثناء فكرت في هؤلاء الناس التي تتراص سياراتهم بطريقة عجيبة في وسط الشارع. سيارة وجهها شرق وسيارة وجهها غرب وسيارة معترضة وسيارة تسد على سيارة, تحس أنها سيارات ملقاة في حوش تشليح. أبعدت الموضوع عن ذهني فلا جديد فيه.

وعندما عدت إلى سيارتي مرة أخرى وجدت أن هناك شيئا آخر يطرق ذهني. لماذا ألوم هؤلاء على هذا التصرف. هذا الذي قضى حاجته في حيالة كان مضطرا إلى ذلك. من هيأ له حمامات عامة؟ مكان مثل سوق الاتصالات يزدحم بآلاف البشر كل مساء وليس فيه حمام عمومي واحد. إذا الذنب ليس ذنب هؤلاء. هؤلاء ليسوا همجا أو متخلفين كما نصفهم دائما. المسؤول عن الصحة العامة هو المسؤول عن هذا التخلف؟ إذا هؤلاء الناس ليسوا العالم الثالث. السلطة المسؤولة هي العالم الثالث. وعندما فكرت في السيارات المتزاحمة والفوضى أيضا ليس المواطن هو الفوضوي بل هو المرور الذي سمح بهذه الفوضى. إذا المرور هو العالم الثالث وليست الشعوب كما نقول ونكرر دون ترو. وإذا اردت أن تدرك ذلك تذكر أن هناك مئات الألوف من شعوب العالم الثالث منخرطين في الحياة اللندنية ومنضبطين مع إيقاعها. من هو العالم الثالث؟ موضوع جدير بالتأمل.



Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد