Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/10/2008 G Issue 13177
الأحد 27 شوال 1429   العدد  13177
لما هو آت
الحياة بلا عباءة..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

حين مرقت عين طائشة نحو عفيفة عابرة.. نهبت الغيرة صدراً عامراً بمخافة الله..,

فصانها الله تعالى عن مروق طيش العيون.. ومرض النفوس, وليس في ناموس البشر أن نفوسهم كلها عفيفة وصدورهم جميعهم صحيحة.., فعلل القلوب من طبائع البشر لا يحجب أذاها إلا كابح التقوى المعمقة، ما أعان الله، وإلا الخشية منه تعالى ما علم الإنسان بربه.., والناس في هذا الزمن تقفز فوق كل حقيقة كأنها ملكت مفاتيح التقوى وسلامة القلوب.., ولم يكن الحجب عندها لمادة الجسد ولا عن مادة العين.., بل هناك مجتمع إنساني كان في سبيل بناء كل سلامة في عظمه وكل ذرة في كيانه.., ولا يقوم المجتمع والنفوس مشغولة بأمورها الغريزية لذلك وضعت لها ضوابطها مع التأكيد على حقوق الجميع من الجنسين وتوقير حريتهما ومنحهما فرص المشاركة في بناء الأمة بدءاً من رابطة الزواج فالنطفة فالمنشأ فالتربية فالتسليم للمجتمع بالعناصر القوية الأمينة.. ولم تتعارض المصالح ولم تتصادم الحريات.., حتى سمع الله شكواها وأعلنها في كتابه الكريم, وحتى كشف ما في النفوس فأمر أن يأتوا البيوت من أبوابها وإن ذكرنهن في أنفسهم.., علاقة دقيقة ولكنها منضبطة.

ولأن المجتمعات البشرية تمر بمراحل تغيير تتفاوت مواقفها في تمرير هذا التغيير جهاداً واسعاً أو فرصاً سانحة رفضاً أو قبولاً، فإن المجتمعات المسلمة عبرت بمراحل التغيير فتحررت من عباءات كثيرة وأسفرت عن عورات عديدة ثم بعد مفاصل كثيرة في مراحلها زاد نشيجها وآلامها إذ غارت جروحها فعادت ترمي عليها عباءاتها من جديد فبدل أن تستر القدمين منها سترت الوجوه ولفت الأيدي.., والواقع لكل منطق واضح يرفض أن تحجب العقول عن الشمس أو تغطى العيون عن الطريق تجنباً للتعثر واتقاء للجهل.., أو تكبل الأيدي التي هي آلة الحفر والعجن والبناء والرسم والنقش والدفع.., فيما عباءاتنا تنحسر تدريجياً ليس من فوق الرؤوس فقط بل شرعت للهواء الأبواب كي يطيرها وزجت بالمقصات في الكفوف كي تحسرها..,

لم تعد العباءة هي تلك الأسمال السوداء من خاماتها المختلفة التي ترتديها النساء.., إذ شملت كل غطاء تهب عليه ريح الاندماج القسري أو الطوعي بعد طفرة العولمة ودعايات التحديث والانبهارات بواردات السوق فوق الأرض وعن الفضاء.., ولئن وظفت لهذه الريح قوى الصورة بوسائل جاذبيتها العديدة والفاتكة, والصوت بمؤثرات ذبذبته تغلغلاً في نسيح المشاعر ومن ثم مكامن القناعات, وحركات الفاتنات في الفلم والبرنامج والصحيفة ومنافذ الشبكة العنكبوتية فإنها استطاعت هذه المتغيرات أن تخلط بين ما لابد أن يحسر من تعمية العباءات وما لا يمكن أن يحسر منها عن العورات.., هناك عورات منهجية فكرية وعقدية وسلوكية وأخلاقية ما كان ينبغي أن تمس عباءاتها أبداً.., فيما هناك عباءات يليق بمن ينشد الوعي والتطور والبناء والحياة الكريمة والعلم وحرية العقل ومُثُل المواكبة لمنجزات العصر أن ينقض نسيجها ويحرق أسمالها.., لكن.., أن تكون المرأة مدخلاً للتغيير وسبيلاً إليه.., فإنه المحك للوعي بمفهوم التغيير الأنسب في الزمن الأطلب للحاجة الأغلب أو المشي فوق زجاج التحطيم ليس للعباءات وإنما لكل العورات.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد