Al Jazirah NewsPaper Wednesday  29/10/2008 G Issue 13180
الاربعاء 01 ذو القعدة 1429   العدد  13180
مركاز
في مديح السهم!
حسين علي حسين

مثلما هناك أناس لديهم إدمان على تناول الكبسة، فإن هناك الآن من لديهم الإدمان على سوق الأسهم، حتى أن واحداً من هؤلاء طلب مني في لحظة ضعف أن أكتب كلمة في مديح سوق الأسهم!، وحدد أسهماً معينة في السوق قيل له إنها من الجياد الأصيلة، وقد لاحظ أن بعض هذه الجياد الأصيلة أصيبت بانهيار، وبعضها تآكل، وبعضها دخل في دورة من الكآبة، تخرج منها الآن وقد تخرج منها غداً، وقد لا تخرج منها أبداً، وهو لذلك أتاه إحساس بأننا السبب فيم آل إليه حال هذه الأسهم من الجياد الأصيلة، وهذا ما دفعه لطلب كتابة مقالة أو قصيدة في مدحها والثناء عليها، مع التركيز على أن لكل جواد كبوة، ولا يرمى إلا مثقل الشجر وهكذا، لعل هذه الأسهم الأصيلة تنتفض وتقتحم الحلبة وتعود ملكة متوجة على خشاش الأسهم، خصوصاً الأسهم المستحدثة التي لا يعرف لها شجرة عائلية رأسية الأوتاد ولا اسم رنان ولا عزوة تشد من أزرها، هذه الأسهم يجب أن تكنس، فالطريق يجب أن يكون فقط للجياد الأصيلة!!

تأملت في طلب صديق الصالة، ثم أخذت أحدق في الشاشة، أخذتها سهماً سهماً، الأحمر مثل النار، والأخضر مثل الشجر، كل لون له من اسمه نصيب.. حقاً! قلت لنفسي ثم رفعت بصري إلى زوايا الشاشة، كان اللون الأحمر مثل جيش الجراد، ينقض في كل لحظة على نقطة خضراء، حتى ساد اللون الأحمر على الجميع، لا فرق بين جياد أصيلة وحمير قروية عجفاء وغنم وخراف، كلها تحولت إلى اللون الأحمر، لون قاس وصارم، يحمل سيفاً بتاراً من النادر أن يقف الخضار في طريقه إلا إذا اكتسب لونه وقوته وقسوة قلبه!

قلت للصديق: ها أنت ترى الغلبة لمن الآن! لا أحد.. (لمت داون!) كما يقولون في الصالة، تدبر أمرك! إلا إذا أردت مني أن أجلب بوقاً لعله يوقظ النيام، اهرب يا صديقي فلا نجاة بعد اليوم، حتى أرضية الشاشة ستكون حمراء بعد لحظات.. اهرب!

ولم يهرب الصديق من الصالة ذات الإضاءة الخافتة، ظل يتناول قهوتها والماء القراح والشاي يوميا أمام الشاشة، يوميا يبيع بخسارة، يوما بنصف، يوما بربع، لكنه في كل الأحوال مازال بخير! هذا ما يقوله رغم أنني أرى إنه ينحل باستمرار وربما بعد شهور لن يبقى له ظل يسنده في الطرقات وأمام الجدران وعندما يقف أمام الأسهم!

فكرت والله في تدبيج قصيدة مديح للجياد الأصيلة، لعلها تخرج من كبوتها، لكنني ترددت كثيراً، فالمديح بدون ثمن كارثة مضاعفة، خاصة عندما تمتدح جثة أو كائنات هشة أو سوقا يخطو خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف.. لكن ما الذي يجبر هؤلاء الناس على الجلوس أمام الشاشة؟ ما الذي يجبرهم على تملي ملامح الضحايا وهم يتساقطون واحدا تلو الآخر؟

انه الإدمان، والأمل في يوم تتحقق فيه المطالب وتعوض الخسائر، وهو إدمان يشبه الإدمان على الكبسة نظرياً، لكن من حيث المضمون هناك اختلاف، على الأقل الكبسة تعطيك ما دفعته فيها حتى وهي تجعلك بعد تناولها كأنك تحمل ثقلا، تتقلب معه ويتقلب معك في الأسواق والمنزل وعلى السرير!!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5137 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد