Al Jazirah NewsPaper Wednesday  29/10/2008 G Issue 13180
الاربعاء 01 ذو القعدة 1429   العدد  13180

أوتار
الأزمات
د. موسى بن عيسى العويس

 

مع مرور الأيام قد تستمرئ الشعوب الأزمات والنكبات التي تمر بها وتصبح بعض صورها السالبة وسيلة تسلية وترفيه ومفاكهة، بل ومادة جاذبة للكتابة والإبداع الأدبي بين الضحايا، والإنسان تحت وطأة الظروف القاسية يتنازل عن بعض العادات التي درج عليها، وقد تجد من البشر من يرقص في.....

.....سرادق الأحزان، أو أمام الأشلاء، وهي على كل حال صور يفسر بحالة الوعي أحيانا، أو اللاوعي وهو الأغلب.

* في هذه الأيام يكثر الحديث دوليا وداخليا عن أزمات مختلفة: أزمة عقار، أزمة مال، أزمة معيشة، أزمة قيم، أزمة عقل، والواقع أن هذا الاضطراب ليس بجديد في تاريخ البشرية، وإن كان هو الأسوأ في تاريخنا المعاصر.

* أزمة الرهن العقاري أطلت من الغرب، ولعل هذا ما يسوقنا إلى موقف طريف لأحد المهاجرين العرب، حيث ظن الكثير من أصحابه ورفقاء دربه أنه قد أصاب في مغتربه كل ما كان يحلم به ويتمناه في بلاد الحرية والمدنية، من الحياة الآمنة، والعيش الرغيد، والسكن الوثير، بينما هو في الحقيقة خلاف ذلك، ها هو الشاعر (المدني) يصور جزءاً من حياته الاجتماعية البائسة بصور تزدحم بالصور الطريفة، والمعاني اللطيفة، وفي ثناياها يشكو سوء حاله ومآله يقول:

ولي بيت تطوف به العوادي

وتنشد في جوانبه الدمارا

إذا ما الريح هبت من يمين

عليه زويت أولادي يسارا

أغافل إن نضوت به ثيابي

غريبا قد يمر بنا وجارا

* ولم يكن صديقه المشتكي إليه (فرحات) أسعد حالا من سابقه وأوفر حظا، إذ قاسى ما قاساه غيره من (المهاجرين) في أزمة السكن وويلاته هناك، وقد عبر لهم عن ذلك بقوله:

يهنئني صحبي ببيت شريته

ولم يعلموا أني من الفقر راهنه

أقل بيوتي قيمة وأخسها

وأسخفها البيت الذي أنا ساكنه

* هذه الصورة لأولئك النفر رغم أنهم تملكوا وسكنوا وأصابوا شيئاً من الاستقرار النفسي، لكن ماذا سيقول الجيل المعاصر الذين عصفت بآمالهم العريضة، ودكت أحلامهم الذهبية (أزمة الرهن العقاري) في كل مكان، وكيف سيكون تصويرهم وشعورهم وطريقة تعبيرهم وكل ما ملكوه أصبح يتهاوى أمامهم.

* إذا كانت هذه الأزمة بدت في (الغرب) كما أسلفت فإن ذلك يعطينا دروساً كبيرة - نحن معاشر العرب - إذ كانت وما زالت نظرتنا للغرب وطرائق عيشه نظرة مغلفة بالمثالية، ومحاطة بهالة من الإعجاب والإكبار حتى قبل هذا الحدث المأساوي.

هذا الانسياق هو الذي جعلنا ننجر وراءهم تقليدا في كل أساليب حياتنا، ونحاول قدر الإمكان أن نتقمص أنظمتهم، حتى أصبحت أنظمتنا ومؤسساتنا مزدراة من منظور الأجيال الشابة - فهل يا ترى سنعيد حساباتنا وطرائق تفكيرنا، ونسعى إلى الاستقلالية الفكرية بكل ما أوتينا من علم، وبكل ما ملكنا من قوة.

dr_alawees@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد