Al Jazirah NewsPaper Sunday  02/11/2008 G Issue 13184
الأحد 04 ذو القعدة 1429   العدد  13184
شيء من
الشريعة تحاكم أعداءها
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

أعلن في الأسبوع الماضي عن تشكيل المحكمة التي ستتولى محاكمة الإرهاب والإرهابيين في المملكة، تحت اسم (المحكمة الجزائية الخاصة). وحسب تشكيل المحكمة، فقد تم اختيار نخبة متميزة من القضاة، وفريق المساندة الإدارية، لتتولى هذه المحاكمة، والتي ستكون بكل المقاييس (محاكمة تاريخية) ليس بالنسبة لمواطني المملكة فحسب، وإنما للثقافة التي تجنت على الإسلام، وعلى مفاهيم الشريعة، وعلى أخلاقياتها، في حادثة سيترتب عليها في تقديري أولى خطواتنا للخروج من المأزق الذين وضعنا، ووضع هذا الدين القيم فيه، هؤلاء (الإرهابيون).

وتأتي أهمية هذه المحاكمة في تقديري من أنها - ولأول مرة - محاكمة تقوم وتنطلق وتستمد حيثيات أحكامها، وإجراءاتها، من الشريعة الغراء، وليس من قانون وضعي؛ الأمر الذي يجعل هذه المحاكمة تختلف اختلافاً (نوعياً) عن المحاكمات المماثلة للإرهاب خارج المملكة، ففي هذه المحكمة، وأمام قضاتها الشرعيين، تقوم الشريعة الغراء بمحاكمة من افتأتوا عليها، وتجنوا على قيمها، وحرفوا أحكامها، متخذة من قول الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مرجعها وقوام عدالتها.

وهي من زاوية أخرى (محاكمة) لعصر كثر فيه الهرج، والتبست على الكثيرين فيه الرؤية الواضحة بسبب الخلط بين الحق والباطل، وبين العلم والجهل، وبين المحجة البيضاء والأحقاد والأهواء والقول على الله بدون علم.

وأهمية هذه المحاكمة التاريخية تنطلق من كونها ستشمل المنفذين، والمحرضين، والداعمين، والمهربين للأسلحة والمتفجرات؛ وكذلك كل من تستر أو آوى إرهابياً؛ أي أنها في النتيجة ستكون محاكمة (لثقافة الإرهاب) التي تتمسح بالإسلام، وتدّعي أنها تنطلق من مفاهيمه؛ وبالتالي فإن أحكامها - بعد أن تتخذ صفة القطعية حسب درجات التقاضي المعمول به في المملكة - ستصب في مصلحة تحكيم الشريعة، وقدرتها على التعامل مع هذه الظاهرة الدموية بما يكفل تخليص الإنسان من مخاطرها؛ الأمر الذي سيكون له أقوى الأثر في محاصرة وتطويق هذه الثقافة، وإيجاد حد فاصل بينها وبين شريعة الإسلام. وهذا في تقديري بيت القصيد ومربط الفرس.

وحيث إننا في عصر يُشكل فيه الإعلام ثقافات الشعوب، ومفاهيمها، وقيمها، فحبذا لو أعلنت جلسات هذه المحاكمات؛ فعلنيتها ستعمل على كشف زيف وخطورة ثقافة الإرهاب والإرهابيين على الأمن والسلم الوطني والعالمي. وهذا سيصب عملياً في تطويق ثقافة الإرهاب، وإجهاض المحاولات المغرضة والمستميتة التي يبذلها دعاة القتل وإراقة الدماء، لإلحاق هذه الثقافة الضالة بدين الإسلام من خلال لي أعناق النصوص، وتأويلها، والعبث بتفسيراتها لتلائم أهدافهم.

ونحن في أمس الحاجة إلى تكريس وتجذير الوعي ضد العنف والقتل وإراقة الدماء، في زمن استغل فيه بعض الموتورين مفاهيم الإسلام، وعلى رأسها (الجهاد)، ووظفوها لخدمة أطماعهم السياسية.

كما أن ثقافة (التكفير) والإخراج من الملة، التي كانت متلازمة مع ثقافة الإرهاب، أو هي الأساس لقيامها، سيكون (لعلنية) مثل هذه المحاكمات أبلغ الأثر في محاصرتها، وتوعية الناس بعواقبها، ومآلاتها على سلم الإنسان والإنسانية، وإسكات بعض الأصوات المتطرفة التي ما زالت تثوب إليها بين الحين والآخر.

المهم أن نعي أن هذه المحاكمات سيصبح لها العالم آذاناً صاغية، وسوف تُعامل كل شاردة وواردة في مجريات المحاكمة بالتحليل والتمحيص والتدقيق؛ فالأمر - كما يبدو لي - لا يحتمل أي خطأ، أو أي اجتهادات خارجة عن المعقول؛ فأي تصرفات من هذا القبيل سيكون لها انعكاسات وخيمة على صورة وسمعة بلادنا.

وكلنا ثقة أن هذه النخبة المتميزة من القضاة، ابتداءً من رئيس المحكمة، ونهايةً بجميع العاملين معه، سيتعاملون مع أبعاد هذه القضايا الشائكة، بما تمليه الشريعة أولاً، وثانياً بما يكفل لكل المهتمين محاكمة عادلة، تنطلق من أخلاقنا وقيمنا، وليس من أخلاقهم وقيمهم؛ لنتجاوز هذه الفترة التي كانت من أحرج الفترات في تاريخنا المعاصر. إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد