Al Jazirah NewsPaper Monday  03/11/2008 G Issue 13185
الأثنين 05 ذو القعدة 1429   العدد  13185
أكتوبر أسوأ شهر على الإطلاق والنفط يفقد 33% من قيمته
الفائدة تتراجع في العالم..والمملكة تخفض الريبو القياسي للمرة الثانية
سهيل الدراج*

نجح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ووزارة الخزانة الأمريكية في الخروج من حالة اليأس التي سيطرت على الأسواق العالمية.. فقد استبق وزير الخزانة

الأمريكية السيد هنري باولسون ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السيد بن برنانكي بيانات أمريكية اقتصادية هي الأسوأ منذ فترة طويلة كانت كفيلة بأن تخرج الأمور عن السيطرة وتفاقم الخسائر في أسواق العالم..

فقد بدأت وزارة الخزانة الأمريكية نهاية الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الحالي بتطبيق خطة امتلاك حصص في كبرى البنوك الأمريكية، حيث خصصت 125 مليار دولار للحصول على أسهم ممتازة في أكبر 9 بنوك أمريكية، و33 مليارا في 16 بنكاً آخر في الولايات المتحدة، ويأتي هذا الإجراء تطبيقاً لخطة الإنقاذ الأمريكية بقيمة 700 مليار دولار التي وافق عليها الكونجرس الشهر الماضي، مما كان له أثر كبير في انخفاض معدلات الإقراض بين البنوك وتحرك السيولة بشكل ملحوظ في النظام المالي الأمريكي..

وفي يوم الثلاثاء 28 أكتوبر بدأت اجتماعات لجنة السوق المفتوحة التي يعقدها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمدة يومين، وكما كان متوقعاً فقد خفض الفيدرالي الأمريكي الفائدة على الدولار نصف نقطة مئوية لتصبح 1%، كما خفض فائدة الخصم بنصف نقطة مئوية من 1.75% إلى 1.25% لتبدأ موجة عالمية جديدة لخفض الفوائد.. وكان الفيدرالي قد بدأ موجة خفض الفوائد الحالية في 17 سبتمبر 2007م عندما كانت الفائدة عند 5.25%. ويعد المستوى الحالي 1% هو أدنى فائدة على الدولار منذ منتصف 2003م الذي اعتبر يومها الأقل منذ 40 عاماً.. وذكر بيان الفيدرالي الأمريكي انه سيترك الباب مفتوحاً لمزيد من الخفض في الفائدة، كما أبدى قلقه من تراجع النمو في الاقتصاد الأمريكي دون أن يظهر المزيد من القلق بشأن التضخم الذي بدأ بالانحسار عالمياً..

وقد سبق وتبع هذا القرار موجة جديدة من الخفض في الفوائد في العالم، فقد استبق البنك المركزي الكوري الجنوبي نظيره الأمريكي بخفض طارئ للفائدة مقداره 0.75% إلى 4.25% في محاولة منه لإنقاذ رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وجاء الخفض طارئاً بعدما تعرضت البورصة الكورية لنزيف حاد الأسبوعين الماضيين بقيادة كبريات شركات التصدير الكورية في مقدمتها شركة سامسونج.. كما خفضت الصين وهونغ كونغ الفائدة على عملاتها الوطنية، كما خفضت اليابان الفائدة على الين الياباني 20 نقطة أساس إلى 0.3% لأول مرة منذ 6 سنوات.. وفي الشرق الأوسط وتحديدا منطقة الخليج حذت الكويت والبحرين حذو الولايات المتحدة في خفض الفائدة، لكن الإمارات وقطر امتنعتا عن خفض الفائدة، وذكرت الإمارات أن الخفض لن يكون مفيداً.. ويبدو أن الإمارات وقطر فضلتا التريث خوفاً من إذكاء معدلات التضخم العالية التي تضرب اقتصادهما الوطني.. لكن ربط الدرهم الاماراتي والريال القطري بالدولار الأمريكي قد يؤدى إلى ارتفاع قيمة الدرهم والريال القطري في الأسواق العالمية مما قد يجبر السلطات النقدية على خفض الفائدة في وقت لاحق لحفظ التوازن في أسعار الصرف العالمية..

وفي السعودية.. أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي قرارها بعد ظهر الخميس بخفض الفائدة للمرة الثانية على التوالي خلال شهر أكتوبر.. وجاء خفض الفائدة هذه المرة على سعر إعادة الشراء أو ما يعرف بالريبو القياسي (الفائدة على القروض التي تحصل عليها البنوك من مؤسسة النقد)، وجاء الخفض كبيراً نسبياً حيث تم الخفض بمقدار نقطة مئوية واحدة من 5% إلى 4% ولم يتم تغيير الفائدة على الودائع (الريبو العكس) كما لم يتم حدوث أي تغيير في الاحتياطي الإلزامي للبنوك ليبقى عند 10%.. وكانت مؤسسة النقد قد خفضت في 13 أكتوبر 2008م الريبو القاسي نصف نقطة من 5.5% إلى 5% وخفضت الاحتياطي الإلزامي للبنوك من 13% إلى 10%.. وتأتي هذه الخطوات التي اتخذت في شهر أكتوبر منسجمة مع الحملة العالمية لزيادة السيولة في الأسواق، وحماية البورصات من الانهيارات وتم اتخاذ هذه الإجراءات بعد تراجع معدلات التضخم العالمية وتوقع تراجعها في السعودية في القريب العاجل، وجدير بالذكر أن تحرك السعودية لخفض الريبو القياسي (فائدة الإقراض) يحدث لأول مرة منذ 8 فبراير 2007م عندما رفعت مؤسسة النقد الريبو القياسي 0.3% من 5.2% إلى 5.5%.. في حين أن فائدة الودائع (الريبو العكسي) بقى عند أدنى مستوياته عند 2% وذلك عندما تم تخفيضه آخر مرة في 3 مايو 2008م بمقدار 0.25% إلى 2%.. وتستخدم مؤسسة النقد الريبو العكسي أو معدل الفائدة على الودائع البنكية لدى مؤسسة النقد لضبط قيمة الريال السعودي لتصبح متمشية مع الدولار الأمريكي، وقد تلجأ مؤسسة النقد إلى خفض الريبو العكسي إن ارتفعت قيمة الريال أمام الدولار إن استمر الفيدرالي الأمريكي في خفض الفائدة إلى اقل من 1%..

البيانات الاقتصادية الأمريكية التي صدرت هذا الأسبوع جاءت سيئة بكل المقاييس، فقد تراجع الناتج المحلى الأمريكي GNP بمقدار سالب 0.3% في الربع الثالث حيث شكل أسوأ تراجع له منذ سبع سنوات، بسبب التراجع الحاد في إنفاق المستهلكين الأمريكيين الذي انخفض بنسبة 3.1% وهو أول هبوط له منذ الربع الرابع لعام 1991م والأكبر منذ 28 عاماً، وجاء هبوط إنفاق المستهلكين الذي يشكل ثلثي الناتج المحلي الأمريكي بسبب تراجع الإنفاق على السلع المعمرة الذي سجل اكبر تراجع منذ 21 سنة، وبسبب تراجع الإنفاق على السلع الأساسية بأكبر معدل منذ 57 عاماً.. لكن الأنباء الايجابية لوزارة الخزانة وخفض الفائدة وانخفاض الدولار لاحقا وصعود النفط من أدنى مستوياته ساهمت بان تغلق المؤشرات الأمريكية أسبوعها مرتفعة بنحو 11% ولتقلص من حجم خسائرها الشهرية..

وفي أسواق المال العالمية سجل شهر أكتوبر أسوأ شهر على الإطلاق، لأغلب البورصات العالمية والمحلية بما فيها السوق السعودي الذي سجل تراجعا هو الأسوأ حيث تراجع بنسبة 26% بقيادة البتروكيماويات التي انخفضت هذا الشهر بمقدار 38% وكانت اكبر الخسائر في هذا القطاع هي من نصيب سافكو التي خسرت حوالي نصف قيمتها السوقية، وبذلك يكون السوق السعودي قد خسر حوالي 50% من قيمته السوقية منذ بداية العام.. وخسرت بورصات العالم هذا الشهر 20% لتفقد حوالي 10 تريليونات دولار من قيمتها السوقية، وسجل أسوأ هبوط في أمريكا الجنوبية حيث خسرت الأسواق الأمريكية الجنوبية مجتمعة حوالي 31.5% بقيادة الأرجنتين التي خسرت 39% في هذا الشهر، وكان ثاني أسوأ هبوط قد سجل في الأسواق الناشئة بنسبة 29% بقيادة روسيا التي انخفضت 36% وتايلاند التي فقدت 30% كما خسرت كل من الصين والهند واليابان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وسنغافورة ما بين 22% إلى 25% في هذا الشهر.. وفي أوروبا فقد كانت اكبر الخسائر من نصيب النمسا واليونان بواقع 28%، تلتها كل من النرويج وبلجيكا والبرتغال وهولندا والدنمارك والسويد بخسائر تراوحت بين 19 إلى 25%.. أما المؤشرات الكبرى الأمريكية والأوروبية فقد تصدرها نازداك وستاندرد أند بورز الأمريكيين ومؤشر البورصة الكندية بخسارة قاربت 17.5%، في حين أن داو جونز الأمريكي وكاك الفرنسي وداكس الألماني خسرت حوالي 14%، وكانت اقل الخسائر من نصيب فوتسي البريطاني بواقع 11%..

النفط في الأسواق العالمية سجل أسوأ شهر في تاريخه فقد انخفض حوالي 32% بسبب الارتفاع القياسي الذي حققه الدولار في هذا الشهر وبسبب تراجع الطلب على النفط في الولايات المتحدة والعالم بفعل الركود الاقتصادي والأزمة المالية العالمية، وكان الخام الأمريكي قد سجل يوم الاثنين 27 أكتوبر مستوى 61.30$ للبرميل وهو أدنى مستوى له منذ يونيو 2007م، كما لم يفلح قرار منظمة أوبك بخفض الإنتاج بمليون ونصف مليون برميل يوميا هذا الشهر في إيقاف النزيف، لكن عودة الدولار للانخفاض بفعل خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نهاية هذا الأسبوع دفع النفط إلى الإغلاق بعيدا عن أدنى مستوياته ليغلق يوم الجمعة عند 67.81 دولارا للبرميل..

ونتوقع بإذن الله أن يحقق شهر نوفمبر الحالي ارتفاعاً شهرياً (حتى ولو طفيفاً) مدعوما باستمرار البنوك المركزية بخفض الفائدة، إذ يتوقع أن يخفض البنك المركزي الأوروبي الفائدة على اليورو بمقدار نصف بالمائة يوم السادس من نوفمبر الحالي، ويتوقع أن يتبعه بنك انجلترا المركزي والكثير من البنوك المركزية العالمية.. كما لا ننسى أهم أحداث الأسبوع بلا منازع وهو الانتخابات الأمريكية التي يتوقع أن تحسم لصالح الديموقراطيين مما قد يؤدى إلى دفع الأسواق إلى الأمام، كذلك نذكر بالتفاؤل الذي ينشأ عادة في الاقتصاد الأمريكي والغرب عند اقتراب مواسم التسوق الرئيسية الثلاث وهو موسم الأعياد.. وبالنسبة لأسواق الخليج والأسواق العربية فيتوقع أن ترتفع من أدنى مستوياتها مدعومة بقرارات خفض الفائدة وحزم الإنقاذ وضخ السيولة وارتفاع أسعار النفط وأسعار المعادن التي يتوقع لها أن ترتفع هذا الشهر مع عودة الدولار الامريكي للهبوط..

* خبير اقتصادي ومحلل مالي في الأسواق العالمية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد