Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/11/2008 G Issue 13186
الثلاثاء 06 ذو القعدة 1429   العدد  13186
شيء من
الجهاد بين صورتين
محمد عبداللطيف آل الشيخ

في الوقت الذي يجند فيه دعاة القتل والدم والذبح وإراقة الدماء بعض الشباب السعودي للذهاب إلى العراق تحت شعار الذب عن الدين، تستقبل المملكة توأمين عراقيين ملتصقين، ليتولى فريق طبي سعودي الفصل بينهما، وتتم العملية بنجاح، ويزورهما الملك عبدالله الرجل الأول في البلاد بنفسه مهنئاً ومباركاً للوالدين نجاح عملية الفصل، ومتمنياً للطفلين حياة سعيدة.

الذين يسوقون الناس إلى الموت في العراق هم سعوديون، والذين يقدمون للعراقيين حياة أفضل هم سعوديون أيضاً. الفرق أن دعاة الموت والقتل ينطلقون من تفسير ضيق ومختل وغير منضبط لمفهوم (الجهاد)، بينما يضرب الفريق الطبي الذي قام بمهمة الفصل بين التوأمين العراقيين مثالاً رائعاً لمفهوم (الجهاد) في هذا العصر.

الصورة الأولى حيث القتل والدم والموت يقدمها، ويعمل على ترسيخها، ويذب عنها، أساطين الظلام (السعوديون)، ومنظرو جر الناس إلى الموت والتدمير والتفجير، تحت اسم (الجهاد). والصورة الثانية حيث الحياة السعيدة للطفلين، والبسمة التي ارتسمت على وجه الأبوين العراقيين وهما يسلمان على الملك عبدالله، يقدمها أساطين الإنسانية (السعوديون)، ومنظرو التمدن والحداثة والتحضر، وهم (يجاهدون) في سبيل منح الإنسان والإنسانية حياة أفضل.

الفرق بين الصورتين هو الفرق بين النور والظلام، وبين الحياة والموت، وبين التحضر والتخلف، وبين مقاصد النصوص من جهة وتأويلاتها الخاطئة التي لا تتسق مع العصر، ولا تكترث بالمصالح، ولا تأخذ الواقع بعين الاعتبار، من الجهة الأخرى. قارن بين ابتسامة الأبوين واستبشارهما بنجاح عملية الفصل التي تمت بأياد سعودية، مع أم ثكلى تنوح على فلذة كبدها الذي مزق جسده إرباً أحد (السعوديين) في عملية إرهابية في إحدى المدن العراقية، يتجلى لك الفرق واضحاً وجلياً بين المشهدين.

يقول الشيخ يوسف القرضاوي في رده على بابا الفاتيكان: (إنما فرض الإسلام الجهاد دفاعاً عن النفس، ومقاومة للفتنة، والفتنة أشد من القتل، وأكبر من القتل ولذا قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} «سورة البقرة 190»، {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} «سورة النساء 90».

ونحن في أمسّ الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتحسين سمعتنا، وسمعة ثقافتنا، بعد أن أساء لها دعاة القتل، ومنظرو الذبح، أشد إساءة، حتى أصبح (المسلم) الملتزم عموماً، ومن يحمل الجنسية السعودية على وجه الخصوص، محل شك وريبة تلاحقه أينما حل وارتحل. ولعل هذه الصور الإنسانية التي يقدمها أطباؤنا إلى العالم بين الحين والآخر، تعطي صورة حضارية عن الوجه المشرق للإنسان السعودي، لتصحح بعض المفاهيم التي التصقت بنا جراء أفعال وكذلك أقوال بعض السعوديين، والتي أظهرتنا أمام العالم وكأننا أمة نشد الرحال لنبحث عن (الموت) في أرجاء المعمورة، أما (الحياة) فلا شأن لنا بها.

أن تبني حضارة لابد أن تحب الحياة كشرط ضرورة، فلا يمكن تصور بناء حضارة دونما يكون للحياة في موازيننا أي قيمة، وتذكر قول عمرو بن العاص رضي الله عنه: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، هذه هي نظرة الإنسان المسلم (السوي) للحياة، وليس ما يطرحه عشاق الموت، ومروجو الانتحار. إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد